أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

«لخيباتنا» الإنسانية منطق أعوج

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

قبل ان تقام الجدران العازلة في الارض وعلى الحدود، تكون - في الغالب - قد اكتملت وارتفعت داخل العقول والقلوب، فالمباني هنا تعبر عن المعاني، كما ان اقامة العوازل تخفي ما يعتمل في النفوس من شكوك ومخاوف، وربما كراهية واحقاد ايضا.

قصص الجدران العازلة ليست جديدة على عالمنا، واذا كان سور «أدريان» الذي بنته الامبراطورية الرومانية لحمايتها من هجمات البرابرة، وسور الصين الذي بني في القرن الثالث قبل الميلاد، شاهدين من الماضي البعيد على «الخوف» الذي تغلغل داخل الامبرطوريات الكبرى من جيرانها «البرابرة»، فان واقعنا المعاصر ما زال يحتشد بصور من «العوازل» المتناسلة التي تريد في اوج عصور ثورة الاتصال والعولمة والقرية الكونية الواحدة.. أن تفصل الانسان عن أخيه الانسان.

مؤخرا، وقع الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، أمراً تنفيذياً لبناء سياج على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة مع المكسيك، وهو الوعد الأكثر رمزية إبان حملته الانتخابية، وقدرت كلفة الجدار باكثر من ثمانية مليارات دولار، ويمتد لمسافة 1600 كيلومتر بسبب تضاريس الحدود، علما أن طول الحدود الأميركية المكسيكية يمتد بطول 3 آلاف و200 كيلومتر.

في عام م2002، بدأت اسرائيل ببناء جدار عازل طوله (650)كم على امتداد الخط الاخضر، لمنع الفلسطينيين من الدخول اليها، وفي عام 1974 اقيمت منطقة عازلة بين شطري قبرص اليوناني والتركي وما تزال قائمة حتى الان، ومنذ مطلع السبعينيات اقيم جدار في ايرلندا الشمالية للفصل بين الكاثوليك والبروتستانت، وفي كل عام يحتفي العالم بمرور الاعوام على سقوط «الجدار» الحديدي الذي اقيم بين المانيا الديمقراطية والمانيا الاتحادية وقسّم برلين الى جزأين.. وثمة اكثر من 70 جدرا عازلا ما تزال قائمة على حدود الدول في مختلف انحاء العالم، اما عالمنا العربي الذي لم يتحرر بعد من «لعنة» سايكس بيكو فقصص الجدران العازلة فيه تثير الأسى والأسف والحرج.

فكرة «العزل» اذن لم تودع في مخازن «التاريخ»، كما افترض منظرو «العولمة» ودعاة الأنسنة وسقوط أهم «جدرانها» لم يقنع عالمنا بأن صلاحيتها قد انتهت فعلا، او بأن الفضاء الفسيح الذي تنتشر فيه ذبذبات الاصوات والصور والرموز بلمح البرق لم يعد يحتمل مثل هذه الحواجز او يعترف بها اصلا، لكن يبدو ان «لخيباتنا» منطقا آخر اعوج، فلغة المقاطعة والمحاصرة التي سقط نموذجها الاول في «شعب» ابي طالب ما تزال تطارد أذهان الكثيرين في عالمنا البائس.

أريد ان اتجاوز «الارضيات» السياسية التي خرجت منها فكرة «العزل» ومفاهيم الحصار والاقصاء والحذف، وأتوقف امام «التربة» الانسانية التي يمكن ان يخرج منها مثلث هذه الاشواك والاحساك، لا في عالمنا العربي وحده وانما في عموم «الانسانية»، لأقول بأننا أهدرنا - وما نزال - فرصاً ثمينة لتجريب مبادىء الحوار والتفاهم ومنطق «الفضل» بيننا وتهديم كل الحواجز التي ترفع اسوار الكراهية حولنا، وأننا استغرقنا في استخدام كل الحلول التي قامت على فكرة «العزل» والفصل، وربما القتل، ومع انه ثبت فشلها الا اننا ما نزال نعتمدها وباصرار.. فهل آن الأوان لشعوب هذه الارض المحاصرة بلا سبب، والمحرومة بلا حق، ان تخرج من السجون التي اودعت فيها بالاكراه، وأي مستقبل يرجوه «السجانون» لابنائهم واحفادهم وقيود ضحاياهم ما تزال تحبس الانفاس وتراكم الاحقاد والضغائن في الصدور.

يسألونك عن الجدران العازلة قل: هي احدى صور «العار» التي تطارد انسانيتنا المغلوبة على أمرها وحريتها، فمتى يصبح لحراس «سور برلين» احفاداً آخرين ينفضون عن حراستها ويعودون الى بيوتهم سالمين.

الدستور

مدار الساعة ـ