و لشدة تشعب هذا الموضوع الشائك فلا بد لنا عند مناقشته من دراسة كافة الجوانب المحيطة به و تحري العدالة و الموضوعية تجاه المالك و المستأجر و دراسة اثر التعديلات على الجهتين في ضوء الكثير من الثوابت و الاعتبارات الدستورية و القانونية و الشرعية و الاجتماعية و الاقتصادية و منها :
أن العدالة التي ضمنها الدستور لكافة فئات الشعب الاردني تقتضي ان تتم معالجة قانون المالكين و المستاجرين بطريقة عادلة تاخذ بالاعتبار حقوق الطرفين المالك و المستاجر فالطرفين جزء من الشعب الاردني و كذلك الطرفين جزء من تجار الاردن.
ان ما يمليه علينا ديننا الحنيف هو عدم اجحاف المؤجر بفرض اجره تعسفيه لعقاره تقل عن اجر المثل العادل و تصادر حقه الشرعي في الحصول على ذلك الاجر
الاقتصاد الاردني هو اقتصاد حر خاضع لمنافسة السوق و ليس اقتصادا اشتراكيا و لا شيوعيا تتدخل فيه الدولة بفرض اجور عناصر الانتاج بما فيها ايجارات العقار او اسعار السلع و الخدمات التي يتداولها التجار
العقد هو شريعة المتعاقدين حيث يقوم المالك و المستاجر بالتفاوض بكامل حريتهم لوضع شروط العقد دون اية تدخلات من جهات اخرى ان التدخل الحكومي في تحديد اجور العقار او تحديد الزيادة فيها أمر قد يضر بالقطاع العقاري و يؤدي الى احجام المستثمرين من التوجه اليه.
و من الحقائق التاريحية فأن قوانين المالكين و المستاجرين القديمة لم تنصف فئة المالكين لفترة استمرت لاكثر من خمسين عاما من خلال تثبيت اجرة العقار فاصبحت اجور كثير من العقارات تقل عن ال 10% من قيمة اجرتها العادلة , و كرست تلك القوانين عدم قدرة المالك اخلاء الماجور بعد انتهاء فترة العقد و لمدى الحياة مما يعني تملك العقار من قبل المستاجر و من دون وجه حق و عدم دفع الاجرة العادلة في آن واحد , و كرس ذلك في قانون رقم 11 لسنة 1994 و كذلك في قانون رقم 30 لسنة 2000 و في القانون المعدل رقم 17 لسنة 2009 الذي اقر الزيادة التدريجية في اجور العقار بنسب تتراوح بين 1 و 5% و التعديلات التي جاءت بعدها مثل قانون رقم 22 لسنة 2011 , حيث كرست تلك القوانين الاجحاف بحق المالكين , لدرجة ان كثير من المالكين غادروا هذه الحياة و هم ينتظرون الوعود بتحرير عقاراتهم المستملكة من قبل المستاجرين او الحصول على الاجرة العادلة دون جدوى .
و لا نستطيع ان ننكر أن المالك هو فئة من فئات هذا الشعب و له حقوق و عليه التزامات مالية تجاه الاخرين و هو من تحمل خلال الخمسين سنة الماضية عبئ عدم زيادة اجور العقار و قد يكون المالك في كثير من الاحيان الحلقة الاضعف و افقر من المستاجر , حيث نجد الان ان هناك كثير من الشركات الكبرى تدفع نسبة قليلة من الاجرة العادلة لاصحاب العقار الفقراء و المعوزين ( لعقود قبل عام 2000 ) و الذين هم اولى ان يحصلوا على حقهم في اجرة عقارهم العادلة.
كما لا بد من النظر الى هوية الاقتصاد الاردني الذي هو اقتصاد حر خاضع لمنافسة السوق و ليس اقتصادا اشتراكيا و لا شيوعيا تتدخل فيه الدولة بفرض اجور عناصر الانتاج بما فيها ايجارات العقار, فالايجارات خاضعة للعرض و الطلب , فالاجرة العادلة يقوم السوق بتحديدها بناءا على مدى توفر ذلك العقار و حجم العرض منه و الطلب عليه , و المنافسة في سوق العقار هي من سيضمن وجود سعر عادل للاجور العقارية.
و كذلك الامر بالنسبة لغالبية السلع و الخدمات المقدمة من قبل التجار في الاسواق الاردنية حيث لا تفرض الحكومة على التجار عدم رفع الاسعار لمدة عدة سنوات كما يطالب البعض بفرض ذلك على مالكي العقار , و السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل من العدل و المعقول ان يفرض على فئة المالكين عدم رفع الاسعار لمدة خمس سنوات او عشر سنوات بينما يمتلك جميع التجار و المصنعين حق رفع الاسعار, و هل يكون المالك وحده هو كبش الفداء لكبح جماح ارتفاع الاسعار و يتآكل دخله بشكل كبير خلال فترة تثبيت اجرة العقار ام يجب ان تسود تلك القاعدة جميع القطاعات من باب العدالة التشريعية و الاجتماعية ؟ فأن لم يمكن تعميم ذلك ممكنا على الجميع فمن باب اولى ترك آلية السوق و المنافسة تعمل فهي كفيلة بتخفيض الاسعار و رفع جودة الانتاج و اخراج المؤسسات غير الكفؤة و الاستغلالية خارج السوق بما في ذلك السوق العقاري.
يعتبر العقد في معظم دول العالم المتقدمة و الناشئة و التي حققت تقدما اقتصاديا شريعة المتعاقدين حيث يقوم المالك و المستاجر بالتفاوض بكل حرية لوضع شروط العقد فلا يستطيع المالك اجبار المستاجر على شروط تعسفية او مدد قصيرة و لا يستطيع المستاجر فرض شروط مجحفة بحق المالك بوضع مدد طويلة جدا دون زيادة الاجرة بعد فترات محددة او تجديد العقد تلقائيا و لمدى الحياة على نفس الاجرة و انما يأتي العقد كنتيجة للتفاوض بين المالك و المستاجر دون اي تاثير خارجي او تدخل حكومي جبري يخل بمعادلة العدل و التوازن في عقد الايجار بين المالك و المستاجر
كما ان التدخل الحكومي في تحديد اجور العقار او تحديد الزيادة فيها سوف يضر بالقطاع العقاري و يؤدي الى احجام المستثمرين عن التوجه للقطاع العقاري الذي يعتبر قطاعا حيويا مرتبطا بكافة القطاعات و يؤدي الى تراجع هذا القطاع و سوف ينعكس سلبا على الناتج المحلي الاجمالي و سوف يرى الكثير من المستثمرين ان فرص الاستثمار العقاري في دول اخرى حيث العقد شريعة المتعاقدين اكثر جدوى حيث الاسواق العقارية الحره دون تدخل حكومي و سوف يخسر الاردن الكثير من رؤوس الاموال التي سوف تغادره للاستثمار في الخارج.
و فيما يتعلق بموضوع خلو المحل و الشهرة و لانصاف المالك و المستاجر فلا بد من النظر الى المبلغ المستثمر من قبل الطرفين, فلولا عقار المالك الذي كلفه عدة ملايين لما قام مشروع المستاجر لذلك فان اعادة بيع الماجور للغير هو قرار يمس المالك و المستاجر من الناحية القانونية و المالية و ذلك لان المالك و المستاجر قاما بالاستثمار في المحل المراد بيعه, فعلا سبيل المثال اذا كانت قيمة محل تجاري مئتين الف ديناردفعت من قبل المالك , و ان المستاجر قام بالاستثمار في الديكور و التجهيزات ( بعد تنزيل الاستهلاك ) بمئة الف دينار و حقق شهرة للمحل بعد عدة سنوات قدرت بمئة الف دينار فان المالك و المستأجر مستثمران في المحل المراد بيعه بنفس المبالغ لذلك يتقاسمان خلو بيع المحل , و هكذا يتم توزيع الخلوا بين المالك و المستاجر بناءا على المبلغ المستثمر من كل منهما.
و فيما يتعلق بفقراء المستاجرين و خصوصا في العقارات السكنية فأن دعم هؤلاء هو واجب وطني , من خلال انشاء صندوق لدعم فقراء المستاجرين تتحمل نصفه الحكومة من الموازنة العامة و النصف الاخر يتحمله المالكين و كبار المستاجرين الذي تزيد عقود ايجارهم عن عشرة الاف دينار من خلال آلية معينة يتم وضعها بوضوح لدعم الصندوق الذي تكون مهمته دعم فقراء المستاجرين حصرا من خلال دفع الفرق بين الاجرة العادلة للشقق السكنية و الاجرة المتدنية المفروضة في القانون و بهذه الحالة يتم دعم فقراء المستاجرين في نفس الوقت الذي يتم فيه انصاف المالكين بحصولهم على الاجر العادل لعقاراتهم و رفع الظلم الواقع عليهم .
أن الاخذ بالمسائل الواردة أعلاه عند تعديل قانون المالكين و المستاجرين هو أمر ضروري و هناك ثوابت يجب ان لا نتجاوزها حفاظا على المصلحة الوطنية لجميع المواطنين و بكافة فئاتهم تحقيقا للعدالة الاجتماعية و المصلحة الوطنية و الاقتصادية .
*خبير مالي – محاضر سابق قسم التمويل الجامعة الاردنية