تُعد قضية اللاجئين السوريين واحدة من أبرز القضايا الإنسانية التي شهدها القرن الحادي والعشرون، حيث خلّفت الحرب في سوريا ملايين النازحين واللاجئين الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم بحثًا عن الأمان. الأردن، الذي استقبل أكثر من 620 ألف لاجئ سوري مُسجَّل وفقًا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كان وما زال في طليعة الدول التي تحملت هذا العبء الإنساني والاجتماعي والاقتصادي.
فور انخفاض حدة الصراع في سوريا وظهور إشارات على إمكانية تحقيق استقرار سياسي نسبي، تصاعدت الأصوات الدولية والمحلية بشأن عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم. ومع ذلك، فإن هذا الخطاب غالبًا ما يتجاهل التعقيدات الميدانية المرتبطة بهذه العودة. فعلى الرغم من الهدوء النسبي في بعض المناطق، إلا أن البنية التحتية المدمرة، وغياب الضمانات الأمنية، وتحديات إعادة الإعمار تجعل العودة أكثر صعوبة مما يتصور البعض.
كما أن بعض الدول الأوروبية التي أوقفت استقبال طلبات لجوء جديدة تُروج لفكرة أن سوريا أصبحت آمنة، متجاهلةً أن العودة الطوعية تتطلب أكثر من مجرد إنهاء النزاع المسلح، بل تحتاج إلى بيئة مستقرة تضمن كرامة وحقوق العائدين.
ان هذه الرؤية الأحادية تُلقي بثقلها على الدول المضيفة مثل الأردن، الذي يواجه تحديات مضاعفة في استضافة اللاجئين. مستقبل العودة الطوعية يتطلب استراتيجيات شاملة تُشرك جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك اتخاذ قرارات مستدامة ومستندة إلى أرض الواقع فالاقتصاد السوري يعاني من انهيار شبه كامل، حيث تشير تقارير إلى ارتفاع معدلات البطالة وتدهور العملة المحلية. وبدون وجود فرص عمل ومستوى معيشي مقبول، تصبح العودة خيارًا غير واقعي لمعظم العائلات اللاجئة.
ومع مرور أكثر من عقد على الأزمة السورية، يشعر العديد من اللاجئين السوريين في الأردن بأنهم تجاوزوا مرحلة "اللجوء الأولية التقليدية. فقد تكيفوا مع الحياة اليومية، واستقر بعضهم في مجتمعات محلية، ونجحوا في بناء شبكات اجتماعية واقتصادية تساعدهم على الاستمرار. على الرغم من ذلك، يبقى هؤلاء اللاجئون مصنفين قانونيًا كلاجئين، ما يجعلهم يواجهون حالة من التناقض بين شعورهم بالاستقرار الفعلي وواقعهم القانوني.
هذا الوضع يفرض تحديات إضافية على الحكومات والمنظمات الإنسانية التي تعمل على الأرض. لتحقيق عودة طوعية ناجحة ومستدامة، يجب أن تكون هناك رؤية مستقبلية تدعم اللاجئين على اتخاذ هذا القرار بثقة وهو ما يتطلب تكثيف الجهود من خلال توفير ضمانات قانونية تحمي حقوق العائدين وتضمن لهم بيئة آمنة ومستقرة. وفي هذا السياق فانه يجب على الحكومات المستضيفة، بالتعاون مع المنظمات الدولية، تقديم برامج توعوية لتعريف اللاجئين بحقوقهم وخياراتهم للعودة، بما يعزز من ثقتهم في إمكانية بناء مستقبل مستدام داخل وطنهم.
وهنا لا بد من الاشارة الى التحديات المستقبلية للأردن فحتى تاريخ 2 كانون الثاني 2025، ووفقًا لتصريحات وزير الداخلية الأردني، فإن حوالي 4600 لاجئ سوري عادوا طوعياً إلى بلادهم، وهو رقم لا يكاد يُذكر مقارنة بعدد اللاجئين المسجلين، مما يشير إلى أن الغالبية العظمى لا تزال ترى في العودة مخاطرة أو خيارًا غير ممكن في الوقت الحالي. ومع ذلك، يظل الأردن، الذي يعاني أصلًا من موارد محدودة وبنية تحتية تعيش حالة من الضغط الكبير نتيجة استضافة اللاجئين، في مواجهة تحديات ضخمة.
ويبقى السيناريو الأسوأ هو نشوء موجة لجوء جديدة بسبب تجدد الصراعات أو تفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا وهو الامر الذي سيجد فيه الاردن نفسه .
مضطرًا للموازنة بين التزاماته الإنسانية والضغوط الاقتصادية دون اغفال نظرة الاردن القومية والعروبية بهذا الجانب .
وبالنظر إلى الوضع الراهن في سوريا، تظل عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم تحديًا كبيرًا في الوقت الحالي. فعلى الرغم من تعبير العديد من اللاجئين عن رغبتهم في العودة، إلا أن العقبات المرتبطة بالأوضاع الأمنية الهشة، والانهيار الاقتصادي، والبنية التحتية المتهالكة تجعل العودة المباشرة غير واقعية في المستقبل القريب.وهو ما دفع خبراء للاعتقاد بان عملية العودة ستكون تدريجية، وتحتاج إلى سنوات من الاستقرار الشامل على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لتحقيقها بشكل مستدام وعلى نطاق واسع.
وفي ظل هذه التحديات، تجد الدول المستضيفة، وعلى رأسها الأردن، نفسها مضطرة للاستمرار في تقديم الدعم للاجئين الموجودين على أراضيها. ويجب على الأردن، كدولة مستضيفة، أن تضع خطط استجابة وطنية مرنة تُراعي الوضع الراهن، مع العمل على مواءمة هذه الخطط مع المتغيرات الإقليمية والدولية لضمان توفير الدعم اللازم للاجئين والتخفيف من الأعباء المترتبة على استضافتهم.
ويبقى السوال الابرز والاهم .. هل نحن مستعدون ؟ فمستقبل الأردن مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بتطورات الأزمة السورية. ومع الحديث عن العودة الطوعية كخيار لحل الأزمة، يجب أن تتخذ قرارات العودة الطوعية سياقًا أعمق يتماشى مع الواقع الميداني فهناك واقع لا نستطيع انكاره، وهو احتمالية نشوء موجات لجوء جديدة نتيجة استمرار الأزمات في سوريا، لذلك يجب أن يكون الأردن مستعدًا بخطط استباقية لمعالجة هذه التحديات. وهذه الاستعدادات لا تقتصر فقط على توفير الموارد، بل تشمل بناء شراكات دولية قوية لضمان الاستجابة السريعة والفعالة. ويبقى، التعاون الدولي والإقليمي هو المفتاح لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، ولإعادة الأمل لملايين اللاجئين الذين يتطلعون إلى حياة كريمة ومستقبل أفضل