وقّع عدد كبير من السادة النواب على مذكرة خطية تطالب الحكومة بإصدار قانون للعفو العام، حيث ربط الموقعون هذا الطلب بالبدء بإقرار التشريعات التي اقترحتها اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية من تعديلات دستورية جرى الانتهاء منها، والبدء بمناقشة مشروعي قانوني الانتخاب والأحزاب السياسية، ذلك على الرغم من عدم وضوح مظاهر الصلة.
إن المبررات التي ساقها النواب المتحمسون لإصدار عفو عام لا تكفي بحد ذاتها لكي تقنع الحكومة بأن تمضي قدما في إجراءات وضع مشروع قانون للعفو عام. فهناك عوامل ومعطيات جدية يجب التفكير فيها قبل الإقدام على تنفيذ هذا المطلب الشعبوي، أهمها أنه لم تمض فترة زمنية طويلة على إصدار آخر قانون للعفو العام في عام 2019، وأن آخر عفو خاص قد صدر في عام 2021 استفاد منه أكثر من (155) محكوما بحرائم إطالة اللسان على جلالة الملك.
إن الفلسفة الدستورية للعفو–بنوعيه العام والخاص–لا تستقيم مع تكرار اللجوء إليه وتطبيقه، خاصة في ظل التبعات التشريعية المترتبة على صدوره، والمتمثلة في تعطيل عدد كبير من القوانين ذات الطبيعة الجزائية كقانون العقوبات وقانون أصول المحاكمات الجزائية، وقانون مراكز الإصلاح والتأهيل، وقانوني الصحة والسير وغيرها من القوانين الجنائية.
كما لا يمكن إغفال الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والمجتمعية لأي قانون جديد للعفو العام. فعدد المحكوم عليهم في السجون الأردنية بعد العفو العام في 2019 في تصاعد، بشكل يمكن معه القول بأن نسبة العودة إلى ارتكاب الجرائم بين صفوف من شملهم العفو العام الأخير كبيرة.
أما بخصوص ما تمسك به السادة النواب الموقعون على مذكرة العفو العام بأن هناك اكتظاظ في السجون وأن تأثيرات جائحة كورونا على الوضع الاقتصادي جسيمة، فهي أسباب مهمة وواقعية. إلا أنه يمكن التعاطي معها بطرق قانونية أخرى تبتعد عن إصدار قانون للعفو العام، أهمها التوسع في تطبيق العقوبات المجتمعية البديلة، والتي كانت إحدى أهم المحاور التشريعية في القانون المعدل لقانون العقوبات الذي أقره مجلس الوزراء قبل أيام.
أما تبعات جائحة كورونا، فقد جرى التعامل معها بطرق قانونية مختلفة تمثلت بإصدار أمر الدفاع رقم (28)، الذي أوقف العمل بالمادة (22) من قانون التنفيذ ذات الصلة بالحبس التنفيذي في القضايا المدنية، والمادة (421) من قانون العقوبات التي تفرض عقوبة الحبس على إصدار شيكات ليس لها مقابل وفاء. وقد صدر القرار في بداية هذا العام بتمديد العمل بهذه الأحكام حتى نهاية حزيران القادم. ويبقى التساؤل الأبرز حول الأسباب التي منعت النواب من ممارسة حقهم الدستوري في اقتراح القوانين والمقرر لهم في المادة (95) من الدستور. فبدلا من التوقيع على مذكرة خطية غير ملزمة للحكومة، كان بإمكان عشرة نواب فقط أن يقدموا «اقتراحا بقانون» للعفو العام، ليقره مجلس النواب فيما بعد ويحيله إلى الحكومة، التي تكون ملزمة بوضعه في صيغة مشروع قانون وتقديمه للمجلس في الدورة نفسها أو في الدورة التي تليها.
إن عدم متابعة هذه المذكرة وإخراج مضمونها إلى حيز الوجود كما هو متوقع من شأنه أن يزيد من حالة اللاثقة الشعبية في المؤسسة البرلمانية، خاصة بعد أحداث العنف غير المسبوقة التي شهدتها جلسة مناقشة التعديلات الدستورية قبل أسابيع.
لذا، فإن مجلس النواب مدعو إلى إعطاء أهمية قصوى للعمل التشريعي، بدءا بإقرار حزمة القوانين التي تأتي كاستحقاقات دستورية، كقانوني الموازنة العامة وموازنة الوحدات الحكومية، وقانوني الانتخاب والأحزاب السياسية. كما يتعين على المجلس البدء بالتفكير في القوانين التي أصبحت في حالة تعارض مع النصوص الدستورية المعدلة، كقانون الهيئة المستقلة للانتخاب وقانون المحكمة الدستورية، بالإضافة إلى النظام الداخلي لمجلس النواب.
الرأي