أقر مجلس النواب قبل أيام مشروع تعديل الدستور الأردني لعام 2021 بعد نقاشات عصيبة شهدتها جلسته الأولى والتي أسفرت عن حالة من العنف البرلماني غير المسبوق، لتعود بعدها المياه إلى مجاريها، وليمضي مركب التعديلات إلى بر الأمان صوب مجلس الأعيان.
ومن خلال استعراض مخرجات تعديل الدستور بحلتها النهائية كما صوّت عليها السادة النواب، نجد بأنها لا تخلو من تغييرات معقولة فيما يخص إضافة قانوني الجنسية والأحوال الشخصية إلى القوانين التي تتطلب أغلبية خاصة لتعديلها، منهيا بذلك حالة شعبية واسعة من الجدل حول إضافة كلمة «الأردنيات» إلى عنوان الفصل الثاني من الدستور.
في المقابل، أجرى مجلس النواب تعديلات أخرى هدفت إلى حماية مكتسبات أعضائه، كانت المصلحة النيابية تعلو على الصالح العام، دون تقديم الحجج والأسانيد المقنعة التي تبرر رفض ما اقترحته اللجنة الملكية من توصيات.
ويتمثل أول التغييرات التي اندفع مجلس النواب نحو التصويت عليها بحماسة منقطعة النظير المادة (75/2) من الدستور التي تتعلق بالمصالح المالية الخاصة بالنواب. فقد اقترحت لجنة تعديل الدستور الملكية تضييق الخناق على ما يمكن أن يبرمه أعضاء مجلس الأمة من عقود مع الحكومة أو المؤسسات العامة الرسمية أو الشركات التي تملكها أو تسيطر عليها الحكومة، فكان المقترح بفرض حظر كامل على توقيع أي عقد مهما كان، وألا يقوم النائب أو العين بتأجير هذه الجهات الحكومية أي من أمواله أو يقايضها عليه. كما توسع المقترح ليشمل الحظر على النائب أن يتلقى أي هدية نقدية أو عينية بسبب عضويته أو بمناسبتها، وبخلاف ذلك ستؤول ملكيتها إلى الخزانة العامة للدولة.
وقد بدأت عملية التخفيف من هذه القيود في اللجنة القانونية النيابية التي حذفت الفقرة المتعلقة بعدم جواز قبول الهدايا، ليكمل مجلس النواب المهمة بنجاح نحو خدمة مصالحه الذاتية، فوضع استثناءات على هذا الحكم المطلق، بحيث أصبح النص الدستوري يجيز للنائب أو العين أن يبرم عقود استئجار الأراضي والأملاك مع المؤسسات والشركات الحكومية، وأن يوقع معها أي اتفاق إذا كان مساهما أو شريكا في شركة بنسبة لا تزيد على (2%) من رأسمالها.
وبهذا يكون مجلس النواب قد خالف ما ارتأته اللجنة الملكية من ضرورة حماية المال العام، ومنع أي من مظاهر استغلال المنصب النيابي لخدمة المنافع المالية الذاتية للنواب والأعيان.
أما التعديل الثاني الذي حرص النواب من خلاله على حماية مركزهم الدستوري، فيتمثل في الحصانة النيابية كما وردت في المادة (86) من الدستور. فقد اقترحت اللجنة الملكية تضييق نطاق هذه الحصانة لتقتصر فقط على عدم جواز توقيف النائب أثناء دورات المجلس دون محاكمته، بحيث يجوز محاكمة النائب أو العين أثناء فترة الانعقاد في القضايا الجزائية، خاصة وأنه لم يعد يشترط مثول المشتكى عليه في جميع جلسات المحاكمة في القضايا الجنحوية.
وعلى الرغم من تأييد اللجنة القانونية لهذا المقترح، أصر النواب على رفض هذا التعديل والإبقاء على النص الدستوري الحالي الذي يعطيهم حصانة مطلقة من التوقيف والمحاكمة أثناء جلسات المجلس ما لم يصدر قرار من المجلس برفع الحصانة عنهم. وهو القرار الذي لم نعتد على صدوره من معظم المجالس النيابية المتعاقبة.
وبهذا، تستمر الحصانة النيابية واسعة النطاق بشكل غير مقبول، لتشمل كافة الجرائم الجنحوية التي يرتكبها العضو سواء تعلقت بعمله النيابي أم لا، وبصرف النظر ما إذا كانت هذه الأفعال قد ارتكبت قبل العضوية في مجلس الأمة أم بعدها، وذلك كما جاء في القرار التفسيري للمحكمة الدستورية في عام 2013.
لذا، فإن مجلس الأعيان مدعو إلى تغليب الحكمة والعقلانية عند مراجعته مخرجات مجلس النواب في التعديلين السابقين لصالح العودة إلى ما صدر عن اللجنة الملكية من توصيات نهائية.
laith@lawyer.com
الرأي