انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة شهادة جاهات واعراس الموقف مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

وصفة علاجية للمجتمع

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/30 الساعة 13:34
حجم الخط
مدار الساعة - كتب: اوس حسين الرواشدة
في مقالة " موت المؤلف " للناقد الفرنسي " رولان بارت " تم طرح فكرة فصل المؤلف عن نصه لاول مرة ، حيث يتم تحليل النص ودراسته والبحث عن معناه ومغزاه بعيداً عن حياة المؤلف ونظرته الشخصية للأمور وطريقة تفكيره وظروف زمانه ومكانه ، فقد اعتبر " بارت " أنَّ موت المؤلف ميلادٌ
للقارئ ، ومن هذا المُنطلق يصبح للنص آلاف التفسيرات المختلفة ، كلٌّ منها يكون نابعا من نظرة القارئ الخاصة للأمور ، وقد ساهمت هذه المقالة التي تحولت فيما بعد لنظرية ، في نقد فكرة " التأويل الأحادي " القائمة على أنَّ النص لا يُفهم إلا كما أراد له مُؤلفه أن يُفهم ، كما أنَّ هذه النظرية ، عارضت وبشدّة نهج المدرسة الرومانسية والواقعية في تحليل النص الذي كان أساسه المؤلف ، حيث اعتُبِر المؤلف رُكناً مهما في فَهم النص .
لكن ماذا عن موت النص ؟ ففيما يبدو أن " بارت " حاول في مقالته تغيير نمط تفكير المجتمع حول النص ، وإيجاد طُرقٍ جديدة لاستنباط معاني النصوص الأدبية ، فهذا إن كان يَدُلّنا على شيء ، فهو يدلّنا على أن المجتمع آنذاك كان مليئاً بالقرّاء " الراكضين " خلف العلم والادب ، وخلف الثقافة وحيازة أفكار جديدة .
نعم كلُّ هذا جميل ، لكن ما الذي علينا فعله ، إن كُنا نجلس الآن في " بيت أجرٍ " كبير ، نترحّمُ فيه جميعا على المؤلف والنص والثقافة معاً ؟
في مجتمع تتهافت فيه الأغلبية على السخيف من الأمور والسفيه من الأشخاص ، وعلى ثقافةٍ لم تُخلَق يوماً لتكون له ، في مجتمع يواري الحق ، ويُظهر الباطل كأنه الصحيح الذي لا نقاش فيه ، في مجتمع يكون الكذب " والنفاق " هو الأمر السائد في أيِّ مجال وعمل ، يكون موت الأخلاق ومنظومتها هو المصير الحتمي له ، وبالتالي موت الثقافة والفِكر ، لأنهما جزءٌ لا يتجزء من " فضيلة " المجتمع ، لكن علينا هنا ، تدقيق النظر في الاسباب .
أَعلن " هينريك هاين " يوماً أنَّ الله قد مات ، لعله قصد حينما قالها أنَّ الله مات في قلوب الناس ، أيّ أن شعور الخوف من الله ورقابته الدائمة علينا وعلى أفعالنا أضحى في مهبِّ الريح ، هل من الممكن أن يكون بُعدنا عن ديننا وعقيدتنا هو السبب في " تدمير " المجتمع فكريا ؟ لو بحثنا في الإسلام مثلا - وهو الدين السائد في منطقتنا - لوجدنا أنّه يحثُّ على الأخلاق الحميدة والبحث عن العِلم والثقافة ، وأنَّ أكرمَ الناس كما قال العزيز الحكيم في مُحكم تنزليه : أتقاهم ، أيّ اكثرهم شعوراً برقابة الله عليه ،حيث يُبنى على هذا استقامة الفرد وبالتالي المجتمع .
الإنسان في طبيعة تكوينه كائن اجتماعي ، يفضلُّ الاختلاط بالمجتمعات المختلفة وتجاذب أطراف الحديث وتبادل الافكار مع غيره ، لعلَّ هذا هو المفهوم البسيط " للانفتاح " ولعلّه أيضا سبب من أسباب "موت " ثقافتنا ، فالمجتمعات تنظر على ثقافات بعضها من نافذة الانفتاح ، ففي أيَّ زمن ، كان يوجد دائماً حضارةٌ متقدمة وأخريات متراجعات ، حيث يسعى المجتمع المتراجع وراء عِلم وثقافة المجتمع المتطور الذي يواكب حضارة عصره بل ويسبقها ويبتكر فيها الجديد ، لكننا وللأسف ، لم نتبع نهج الانفتاح ، بل اتبعنا نهج الانسلاخ ، حيث " دفنّا " ثقافتنا وتراثنا وتاريخنا ، واتخذنا ثقافات غيرنا أُسوةً لنا بكافة تفاصيلها ، ما يناسبنا منها وما لا يَصلح لنا ، مما جعلنا أشبه " بالمسوخ " ، فأصبحنا غير قادرين على تطوير ذاتنا بأنفسنا ، ولا على مواكبة غيرنا ، لأننا وبكل بساطة ، أردنا ما ليس مِنّا ولا من ثقافتنا ، فأصابنا " تشوّهٌ " في طريقة تفكيرنا .
نعلم أنَّ هناك أسبابا كثيرة لما حلَّ بمجتمعنا من " أسقام " ثقافية وأمراض أخلاقية ، ونعلم أيضاً أنَّ هذا ليس بالأمر الغريب ، فكلُّ مجتمع مرَّ بهذا في وقت من الاوقات ، لكن علينا إعادة البحث جيداً ، عن نصٍّ ضائع ، نصٍ يحوي داخله ، أخلاقاً وثقافةً ، لنكوّن منهما " وصفة طبيّة " لنعالج بها داء مجتمعنا .
مدار الساعة ـ نشر في 2021/10/30 الساعة 13:34