انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مختارة مقالات مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

أولُ حادثةٍ في تاريخ الأردن حول نيةِ الإرهابيين التخطيط لاستخدام المنظومات الجوية المُسيّرة

مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/02 الساعة 14:46
مدار الساعة,مقالات,البوليتكنك

المبادرة المعنية بالتصدي لتهديدات المنظومات الجوية المُسيّرة (الطائرات دون طيار) حالة الأردن

مدار الساعة - بقلم: الدكتور سعود الشَرَفات

التقديم

أولا : أنا سعيد جداً بدعوتي لهذه الورشة، في بلدي الأردن، الذي يقفُ في مقدمةِ معركة مكافحة الإرهاب العالمي منذ هجمات 11-ايلول 2001م وحتى الآن.

وأرجو أن تسمحوا لي بالإشارة الى أن الأردن تعرض منذ عام 1970م حتى 2018م الى أكثرِ من (100) عملية إرهابية، راح ضحيتها أكثرُ من (140) فرداً، وجُرح أكثرُ من (270). وخسائر اقتصادية واجتماعية، مباشرة وغير مباشرة كبيرة جداً.

وكانت أخرُ عملية إرهابية نُسبت لتنظيم داعش في آب 2018م، وهي العملية التي سأتحدث عنها كحالةٍ دراسية.

لقد تعرض الأردنُ لعمليتين إرهابيتين، الأولى في مدينة الفحيص بتاريخ 10 آب –والثانية في مدينة السلط بتاريخ 11آب - أغسطس 2018م . نتج عنهما مقتل (5) من رجال الأمن، و(3) من الإرهابين، وجُرح ما مجموعة (16) أخرين.

ولقد قامت “دائرة المخابرات الأردنية“، بتاريخ ( 13 أيلول –سبتمبر 2018م ) بالكشفِ عن هوية عناصر خلية مدينة الفحيص والسلط حيث تبين أنها مكونة من (7)أفراد، وتفاصيل مخططها لاستهدافِ مقراتٍ أمنية ،وحكومية في مدنِ : السلط ،والزرقاء ،وجرش.

ورغم أنّ تنظيم داعش لم يعلن عن تبنّيهِ للعملية ؛إلا أن أربعة من أعضاء الخلية الذين تم اعتقالهم بعد العملية، أكدوا في اعترافاتهم، التي بُثت عبر التلفزيون الأردني، إنهم تأثروا بإيديولوجيا تنظيم داعش، وكانوا يتابعون إصدارات التنظيم، ورسائل أبو محمد العدناني التي تحفز على العمل الفردي.

وكشفوا؛ وهذا هو المهم، عن قيامهم بالعملِ على تصنيعِ ( درون ) لتستوعب(10) كغم من المتفجرات لاستهداف مقرات أمنية وحكومية، بعد أن نجحوا بتصنيع (55) كغم من المتفجرات.

الآن؛ ماذا تخبرنا هذه الحالة الدراسية (من خلال اعترافات أعضاء الخلية) في مجالات: نوعية الأهداف، وأساليب العمل(modus Operandi)، والدروس المستفادة منها عالمياً.

أولاً - أساليب العمل.

- هذه أولُ حادثةٍ تسجلُ في تاريخ الأردن حول نيةِ الإرهابيين التخطيطُ لاستخدام المنظومات الجوية المُسيّرة، من خلال الطائرات بدون طيار، وتزويدها بالمتفجرات ضد أهدافٍ أمنية وحكومية.

- التركيزُ على الدمجِ بين أساليبِ:استخدام المتفجرات والمفخخات، والعبوات اللاصقة و”الأنظمة المسيرة” ؛ بدلاً من استخدامِ الأسلحة النارية، بحجةِ أنه أكثرُ تدميراً، وفعالية، بتأثيرٍ مباشرٍ من تسجيلاتِ العدناني، ودعاية تنظيم داعش وإصدارتهِ عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

- جُميع أعضاء الخلية - باستثناء واحدٍ - متعلمون ولديهم خبرات تقنّية، وعلمية في المتفجرات والهندسة، والحاسوب. (3) يحملون شهادة البكالوريوس، و(3) منهم يحملون دبلوم هندسة من كلية البوليتكنك، (2) منهم هندسة ميكانيك، والثالث هندسة مدنية.

ثانياً - نوعيةُ الأهداف

كان هناك استهدافٌ لرجال الأمن (المخابرات، والشرطة، والدرك ) والمقرات الأمنية، والحكومية تحديداً. ولم يكن هناك تخطيطٌ لضربِ أهدافٍ رخوةٍ، أو استهدافٍ للمدنيين.

ثالثاً- الدروسُ المستفادة:

ربما لم تحظَ عملية السلط بالكثير من التحليلِ والدراسة المعمقة رغم خطورتها الكبيرة، خاصة في مجالِ دراسة واقعِ، واحتمالاتِ استخدام “الأنظمة المسيرة” في تنفيذِ العمليات الإرهابية.

وحسناً فعل المنظمون لهذه المبادرة؛ بالتركيزِ على هذا الخطرِ المستقبلي للأمن العالمي، ومنحِنا الفرصةُ للمساهمةِ بالحديثِ والتعليقِ؛ الذي أرجو أن أعرضهُ عليكم باختصارٍ شديد:

1 – معضلة التكنولوجيا،والارهاب،وصانع القرار. وهي أنّه من بين جميعِ آليات العولمة المختلفة، تلعبُ آليات العولمة التكنولوجية دور المتغيرِ الوسيط بين العولمة والارهاب العالمي؛ فكلما اتسع نطاقُ انتشارِ التكنولوجيا؛ اتسع نطاقُ نشاط، وعمل الجماعات الإرهابية، والعمل الفردي، وانغمس الإرهاب بالتكنولوجيا، ودخل صانعُ القرار السياسي؛ أو الأمني في معضلة الأمن –والحرية. ذلك أن التطور التكنولوجي يُزوّدُ، ويمنح الأفراد مساحة أكبر للفردانّية والسرية، وبنفس الوقت حريةِ، وسهولةِ الوصولِ إلى المعلومات.

فعلى سبيل المثال يُعرض اليوم للتسوق على الإنترنت؛ (درون) لتصوير “السلفي “تسمى (The Drone X Pro ) من تصميمِ مهندسين ألمان، بسعرِ(99$) مع خدمة التوصيل. وتتميز بمواصفاتٍ مذهلةٍ من حيث: صغر الحجم، والصلابة، وسهولة الاستخدام، والتحكُم.

وهناك منافسة بين الشركات المصنّعة لهذه النماذج وتسويقها على اليوتيوب . وهذا ما يزيد من خطورة هذه النماذج سواءً الأصلية، أو المُقلّدة، وعدم قدرة مؤسسات الدولة على ضبطها، والحدِ من خطورتها المستقبلية. لكن الخطورة الأكبر هي في الاتجاهات المستقبلية لتطور التكنولوجيا الرقمية والذكاء الصناعي، واستخدامات المركبات المُسيرة، و(الدرون) في سلسلةِ عرضِ، وطلبِ البضائع، وفي الشحنِ والتوصيلِ، والتزويدِ.

وهنا لنا أن نتخيل السيناريو التالي:

مجموعةٌ؛ مثل خلية السلط؛ أو ذئب منفرد عبقري، قادرٌ على تعديلِ (السلفي-درون) أعلاه؛ أو بناءُ، وصناعةُ “درون” وتزويدها بالمتفجرات، أو المواد الكيماوية، أو الجرثومية. ويستهدفُ بها مطاراً، أو أحد المولات الكبيرة، أو خزانات المياه، أو محطات توليد الطاقة أو الدوائر الحكومية الحساسة .

وحتى أقرب المشهد بشكلٍ حركيٍ ومسرحيٍ أكثر؛ تخيّلوا معي (فرانكشتاين) عصري يتكون من : أبومصعب الزرقاوي ، وتيد كازينسكي( يونا بامبر)(Unabomber)، وبروس إدوارد ايفانز المتهم الأول بهجمات الانثراكس 2001م.

ونظراً لأن الخبرات الأمنية، والعسكرية، ونسبة التعليم الاكاديمي، والتقني لدى تنظيمات السلفية الجهادية كالقاعدة، وداعش (خلية السلط مثال) مرتفعةٌ مقارنة مع جماعاتِ اليمين المتطرف والقضايا الخاصة(single issue) ، فأن هذا يزيدُ من احتماليةِ هذا السيناريو.

2- يتكون أي “نظامِ تسييرٍ ذاتي” من ثلاثةِ مكوناتٍ رئيسة تُسمى اختصاراً (3Cs) وهي: مُشغِلٌ أرضي (بشري أو اتوماتيكي )، ومركبةٌ مُسيرةٌ ذاتياً، ونظامُ سيطرةً واتصالات.

الآن؛ الخطرُ المحتملُ الذي يمثله هذا النظام، هو: سيناريو أنه بإمكان “طرفٍ واحدٍ” إرهابي ، سواءً جماعة، أو ذئب منفرد ، أن يقودّ، ويتحكم، ويُوجه هذا النظام بشكلٍ مُدمّر.

ومعلومٌ أن “الدرون” استخدمت كسلاحٍ رخيصٍ، وسهل الاستخدام من قبل داعش في العراق وسوريا. ومنذ عام 2017م توسع استخدامها من قبلِ جماعة الحوثين بمساعدةٍ من ايران، وأخِرُها بتاريخ 10كانون أول –يناير 2019 في مهاجمةِ قاعدة العند الجوية بطائرةٍ، من صنعٍ إيراني نوع، “قصف 2كيه ” في محافظة لحج. حيث قُتل رئيس هيئة الاستخبارات والاستطلاع اليمني اللواء/ محمد صالح طماح، و(6) من الجنود، وجرحِ (12) أخرين، على رأسِهم رئيسُ هيئة الأركان اللواء عبدالله النخعي.

وأثر نهاية معركة الباغوز 23 أذار - مارس 2019 عثر لدى قوات تنظيم داعش على طائرات مسيرة حديثة، تستخدم للمراقبة، وأجهزة اتصالات فضائية.

3- وأخيراً؛إن هذه الدروس؛ تُعززُ من فرضياتٍ سابقة في أدبياتِ مكافحةِ الإرهاب العالمي حول أهميةِ زُمرِ الأصدقاء في عملية التجنيدِ، ونوعية المُجندين المتعلمين الذين يملكون خبراتٍ في التخصصات التقنية، والعلمية من الدراسة،وتحفزهم الإيديولوجيا الراديكالية، و”الأطراف الفاعلة من الدول” المارقة، في ظلِ فقدانِ السيطرة على مخرجاتِ التكنولوجيا، وطبيعتها المحايدّة.

ملاحظة:

هذه الورقة قدمت من قبل مدير مركز شُرفات الدكتور سعود الشرفات خلال فعاليات المؤتمر الدولي حول مبادرة مكافحة خطر الانظمة المُسيرة (الطائرات بدون طيار ) الذي عقد في عمان 2018م.


مدار الساعة ـ نشر في 2019/04/02 الساعة 14:46