عبد الرحمن خالد الطوره
قضية المراة "مطلق امرأة" عربية أكانت أو غيرها، والتي يحتفل بها العالم في الثامن من آذار من كل عام ، قضية قديمة جديدة كانت وما زالت تشغل اهتمام المفكرين والفلاسفة منذ القدم ، حيث تباينت وجهات النظر حولها مابين من يرى في المراة انسانا كامل الأهلية كالرجل تماما ان لم تتفوق عليه أحيانا في بعض المجالات ومابين من يرى فيها عكس ذلك وبانها انسان قاصر وأقل كفاءة وقدرات عقلية من الرجل . وهذه الآراء سواء كانت تقف الى جانب المراة او ضدها استمرت عبر التاريخ وفي مختلف الحضارات وأضفت عليها بعض التعاليم الدينية او تأويلات رجال الدين للنصوص الدينية طابعا قدسيا كرّس تلك النظرة الدونية لها.
ففي حضارات ماقبل الميلاد القديمة من فرعونية وبابلية وعربية كان للمرأة حضور قوي في الحياة العامة السياسية والدينية والاجتماعية حيث كان بعضهن ملكات كما في الحضارة الفرعونية القديمة والتي كان من بين ملوكها سبع ملكات كحتشسبوت ونفرتيتي وكليوباترا وغيرهن. وفي الحضارات العربية ماقبل الاسلام كانت هناك الملكة بلقيس وزنوبيا وزينة وشمس وفي الحضارة العراقية كانت هناك سميراميس وزكوتو وغيرهن.
لقد كانت المراة عند الفراعنة تحظى بالتقدير حيث كان يعتبرونها أكثر كمالا من الرجل وكان الزوج يكتب كل مايملك من عقارات باسمها وكان الأطفال ينسبون اليها وكانت لها القوامة على الزوج ومن حقها ان تشترط في عقد الزواج أن يكون الرجل مطيعا لها واهم من كل ذلك هو أن من حقها ان تتولى الحكم . لكن هذه النظرة الأيجابية للمراة لم تستمر طويلا اذ أصبحت عكس ذلك في الحضارة الأغريقية القديمة حيث كانت نظرة الفلاسفة سلبية تجاهها.
فسقراط مثلا كان يقول " أن المرأة مثل الشجرة المسمومة التي يكون ظاهرها جميلا لكن الطيور تموت عندما تاكل منها " ولعل هذه النظرة السلبية من فيلسوف كبير كسقراط سببها ماعاناه من حياة أشبه بالجحيم مع زوجته فعمم تجربته الشخصية على كل النساء . اما الفيلسوف أرسطو فكانت نظرته للمراة أشد احتقارا وامتهانا اذ يرى بان المراة بالنسبة للرجل كالعبد من السيد وكالعمل اليدوي( المهن محتقرة عند اليونانيين) من العمل النظري (عمل الفلاسفة والمفكرين) وهي رجل ناقص فالرجل متطور بالطبيعة والمراة دونية بالطبيعة وهو حاكم وهي محكومة . وهذه النظرة الدونية تم تقنينها بحيث حرمت المراة والعبيد والأجانب في المجتمع الأغريقي من الحقوق المدنية اذ تم استثناءهم من المشاركة في الحياة الديمقراطية . ومن الملفت للنظر ان الذين رسخوا هذه الوضعية الدونية للمراة ليس المواطنون العاديون وانما الفلاسفة وقادة الفكر! أما عند الرومان فلم يكن وضع المرأة أفضل منه عند الأغريق اذ اعتبرت متاعا مملوكا للرجل وسلعة من السلع الرخيصة يتصرف بها الرجال كيف يشاؤن وهي في نظرهم شرلابد من اجتنابه وامة لا قيمة لها وبيد أبيها وزوجها حق حياتها وحق موتها . والأغرب من ذلك أنهم كانوا يمنعونها من الكلام حيث حكموا عليها بان تضع على فمها قفلا حديديا يسمونه (الموزلير) حيث كانت النساء من جميع الطبقات يسرن في الشوارع وفي فم كل واحدة منهن قفلا حديديا يمنعهن من الكلام لاعتقادهم بان المراة اداة للأغواءويستخدمها الشيطان لا فساد القلوب!!
أما في الحضارة العربية الاسلامية فقد شهد وضع المراة تذبذبا مابين النظرة الايجابية والنظرة السلبية . ففي بداية الدعوة تحررت المرأة من كثير من القيود التي كانت تقيد حركتها في الحياة العامة وتغيرت النظرة السلبية التي كانت سائدة في الجاهلية ومنها النظرة الى الأنثى كمصدر يمكن ان يجلب العار للقبيلة ولذلك كانت ظاهرة واد البنات. لكن الاسلام حرر المراة من كثير من القيود والنظرات الاجتماعية المتخلفة فأصبحت مواطنا كامل الأهلية ولها كالرجل تماما كامل الحقوق وعليها كامل الواجبات فأصبحت تشارك في الحياة العامة فقيهة وتاجرة ومسؤولة حكومية وحتى في الغزوات الحربية ممرضة واحيانا مقاتلة . فالخطاب القرآني لم يفرق بين المراة والرجل وانما كان موجها للجميع (المؤمنين والمؤمنات،والمسلمين والمسلمات ..ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكروأنثى ) كما أن الرسول الكريم (ص) أوصى بالنساء خيرا فقال (الجنة تحت أقدام الامهات ....النساء شقائق الرجال ...رفقا بالقوارير ... ماأكرمهن الا كريم وما أهانهن الا لئيم ) . لكن هذه الوضعية الايجابية تغيرت مع مرور الزمن في عهود سلاطين الحريم والجواري والأماء فعادت النظرة الدونية الى المراة من جديد وزاد من تكريسها فتاوى دينية شرعنت هذه الوضعية استنادا الى احاديث قيلت في ظروف وحالات معينة وأصبحت لدى هؤلاء الفقهاء بمثابة نصوص قطعية غير قابلة للتاويل رغم أن هناك قاعدة فقهية تقول بتغير الأحكام بتغير الأزمان . أما في العصر الحديث فقد تغيرت النظرة الى المراة تدريجيا نتيجة لما طرأ على الحياة من تغيرات جذرية في ميادين السياسة والاجتماع والاقتصاد وحتى في الفهم العصري للنصوص الدينية ، فظهرت منظمات نسائية من اتحادات وجمعيات تعنى بشؤون المرأة وتدافع عن حقوقها السياسية والأقتصادية والأجتماعية ، وقد تحقق لها نتيجة ذلك عدد من المكتسبات في مجالات التعليم والعمل والترشح والانتخاب في المجالس المحلية والنيابية ، وكذلك حققت مكتسبات من خلال ادخال تعديلات على قوانين الاحوال الشخصية فيما يتعلق بالزواج والطلاق وكذلك في معظم الحقوق المدنية والسياسية كبقية المواطنين. ورغم هذه المكتسبات فمازال هناك ميز يمارس ضد المراة يمنعها من المساواة الحقيقية مع شقيقها الرجل لأسباب معظمها أعراف اجتماعية وثقافية وحتى دينية ، اذ يجري استغلال النصوص الدينية وتأويلها بما يتفق ومصلحة الرجل والثقافة السائدة التي تعزز ذلك.
ان المساواة المقصودة هنا ليست المساواة الحسابية وانما المساواة بمعنى تكافؤ الفرص للجميع ذكورا وأناثا واعتبار القدرة والكفاءة هما الأساس في التقييم والمفاضلة بين افراد المجتمع بغض النطر عن الجنس وأية اعتبارات أخرى وذلك تمشيا مع اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المراة التي أعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18/12/1979م التي أكدت على المساواة في الحقوق والواجبات بين الرجل والمراة ووضعها في قالب قانوني ملزم لجميع الدول بما فيها الأردن ، الا ان مانصت عليه تلك التشريعات شيء والواقع شيء آخر، اذ مازال المجتمع العربي تسوده العقلية الأبوية الذكورية التي تحتكر كثيرا من ميادين العمل وتحرّم على المراة الولوج اليها تمشيا مع الموروث الديني والثقافي والاجتماعي والذي يتطلب تغييره زلزالا شديدا كي يفككه ويقضي عليه ،ومن هنا لايمكن للمراة أن تتحرر من هذه القيود والأعراف الأجتماعية والثقافية المتجذرة في وعي ولاوعي المجتمع البطريركي الذكوري من خلال نشاطات الجمعيات والمنظمات النسائية على اهميتها ، وانما يتطلب الوضع تضافرالجهود الرسمية والأهلية لتغيير هذا الواقع من خلال تطوير المناهج الدراسية وتنقيتها من أية مفردات أواتجهات تكرّس الصورة النمطية السلبية عن المراة في مخيالنا الجمعي ، وكذلك من خلال سن التشريعات الملزمة كما جرى في قانون الأنتخاب حيث خصصت كوتا للمرأة ولولا هذا لكان من المتعذر وصولها الى قبة البرلمان ولكن التشريع حقق لها ذلك . فبالتشريع يمكن أن نرتقي بوعي المواطن وان نغيّر كثيرا من المفاهيم السلبية التي يحملها سواء تجاه المرأة العربية المراة او غيرذلك من المواضيع التي تتطلب التغيير .
لقد أثبتت المراة في دول كثيرة من العالم قدرتها على اشغال المواقع المتقدمة والحساسة ابتدأ من رئاسة الدولة والوزارة والقضاء وغيرها ، وهناك امثلة كثيرة في عصرنا الراهن مثل انديرا غاندي في الهند وبنازير بوتو في الباكستان وشيخةحسينه واجد وخالدة ضياء في بنغلادش وتاتشر في بريطانيا وتانسوشيلر في تركيا وميركل في المانيا وهيلاري كلنتون وكونداليزارايس ونانسي بيلوسي في امريكا وخديجة يعقوب في سنغافورة وكوليندا في كرواتيا وغيرهن كثير.
والسؤآل هو هل المراة العربية أقل كفاءة وقدرات من نساء العالم اللواتي تم ذكرهن آنفا بحيث لم تصل أي منهن الى تلك المواقع المتقدمة ؟! أعتقد جازما ان من بين نسائنا من يمتلكن العلم والمعرفة والقدرة على ادارة الشان العام ما يساوي وقد يفوق قدرات اللواتي وصلنا في بلاد الغرب ولكن العائق الأساس في وجه المراة العربية هي النظرة الأجتماعية والثقافة الذكورية السائدة التي مازالت رغم التنظير والكلام الجميل تنظر للمراة بانها أقل قدرات من الرجل وانها بطبيعتها عاطفية ولاتصلح لتلك المواقع في حين تشغل نساء العالم مواقع امنية حساسة منها مديرة للمخابرات المركزية الأمريكية التي تتحكم وتهيمن على قرارات كثير من الدول اضافة الى وجودأعداد من النساء حاليا يشغلن وظيفة وزير دفاع في الدول الغربية. خلاصة الأمر، لايمكن أن يتغير وضع المراة العربية الا اذا أعتبرت قضيتها قضية وطنية يكون الرجال في مقدمة الداعين لتغييره لأن بقاء وضعها على ماهو عليه سيعطل سير المجتمع نحو التقدم لأن نصفه مشلول ومعطل . فلدى النساء طاقات وقدرات لاتقل عن طاقات وقدرات الرجال ان لم تفقها أحيانا ولذلك فتعطيل هذه الطاقات هو هدر لطاقات المجتمع وخسارة كبيرة له . لقد شهد العالم انحسارا للاستعمار عن الدول والشعوب المضطهدة وتخلصت من نيراستبداده واستعباده ونهبه لخيراتها فنالت حريتها وحققت استقلالها الا ان المراة في كثير من دول العالم وفي مقدمتها الدول العربية مازالت تعاني من انواع الميز والأضطهاد وهي في الحقيقة بمثابة آخر المستعمرات التي تحتاج الى هبة عامة لتحريرها من قيودها الاجتماعية التي أعاقتها ومازالت تعيقها عن أداء دورها في المساهمة مع الرجل جنبا الى جنب لما فيه تقدم وازدها رمجتمعها.