في حديثٍ متأملٍ وملهمٍ جمع بين سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني، ولي العهد، والزميل الصحفي عواد الخلايلة، برزت رؤية سموه العميقة للإعلام الأردني، حيث أكد على ضرورة أن يكون الإعلام صوتاً للدولة والمواطن معاً، بهدف حماية الهوية الوطنية وتعزيز القيم المجتمعية؛ حيث أشار سموه إلى أهمية أن تتسم المواد الصحفية بالابتكار والجودة، وأن تقدم قيمة مضافة، بعيداً عن ممارسات النسخ واللصق التي تفتقر إلى الأصالة المهنية.
ويرى سمو ولي العهد أن الإعلام ليس مجرد ناقل للأخبار، بل هو شريك استراتيجي في التنمية المستدامة، وجسر يربط بين المواطن وصانع القرار؛ كما شدد على أهمية تدريب الجيل الجديد من الإعلاميين، وتزويدهم بأدوات اللغة وأخلاقيات المهنة، مع التركيز على مواكبة التطورات التكنولوجية والرقمية.
حيث تتجلى في حديث سموه دعوة صريحة للإعلاميين للابتعاد عن الأساليب التقليدية، والاتجاه نحو إنتاج محتوى نوعي يعكس الواقع بموضوعية، ويعزز الانتماء الوطني؛ نعم سمو ولي العهد.. في ظل هذه الرؤية سيكون الإعلام الأردني أكثر من مجرد أداة لنقل المعلومة، بل منصة لصناعة المستقبل؛ إنها دعوة صريحة للابتكار والتجديد، وإيمان بأن الإعلام الرقمي يمكن أن يكون قوة دافعة للتغيير الإيجابي في المجتمع؛ فمستقبل الإعلام الأردني يعتمد على قدرتنا على مواكبة العصر والتكيف مع متغيراته، ليكون صوتاً قوياً يبرز إنجازات الأردن ويجذب الاستثمارات على الساحة الدولية.
نعم سمو ولي العهد؛ نحن في زمن يتلاشى فيه الخط الفاصل بين الحقيقة والتأويل، وبات الإعلام اللاعب الأكثر تأثيراً في تشكيل وعي الشعوب، وهنا يبرز سؤال جوهري: كيف يمكن للإعلام أن يكون شريكاً حقيقياً في بناء الانتماء الوطني، دون أن ينزلق إلى مجرد أداة بروباغاندا أو وسيلة للترفيه؟ الجواب يكمن في فهم عميق لدور الإعلام كمحور للتفاعل بين الدولة والمواطن، وكمنصة تعكس قيم المجتمع وتطلعاته في آن واحد؛ وهذه هي رؤية سمو ولي العهد.
الإعلام الوطني، عندما يؤدي دوره الحقيقي، لا يقتصر على الاحتفاء بالأحداث الوطنية أو الترويج لإنجازات الدولة، بل يتعدى ذلك ليصبح وسيلة لفهم أعمق للتحديات التي تواجه الوطن، وكيف يمكن للمواطن أن يكون جزءاً من الحل؛ فالهوية الوطنية ليست مجرد رموز أو شعارات تُرفع في المناسبات، بل هي شعور يومي يعكس الانتماء والتضامن، ويجد صوته الحقيقي في القصص التي تُروى، وفي الرسائل التي تصل إلى أعماق الوجدان.
ان تاريخ الأردن بمزيجه الفريد من التنوع الثقافي والتاريخي، يقدم نموذجاً غنياً يمكن للإعلام أن يستند إليه لتعزيز الهوية الوطنية؛ هذا التاريخ الذي يحمل في طياته قصصاً عن الصمود والتحدي، يمكن أن يُعاد تقديمه بلغة حديثة تتماشى مع تطلعات الشباب، دون أن تفقد أصالتها؛ فالإعلام هنا لا يُعيد إنتاج الماضي فقط، بل يستخدمه كقاعدة لإطلاق رؤية مستقبلية تُلهم الجميع.
إلاّ أنّ التحدي الأكبر الذي يواجه الإعلام الوطني هو تحقيق التوازن بين خدمة الدولة وتلبية احتياجات المواطن؛ فأن تخدم الدولة لا يعني أن تنقل صورتها المثالية فقط، بل يعني أن تعكس الواقع بما فيه من تحديات وإنجازات بمنتهى الحيادية، مع التركيز على دور المواطن في مواجهة هذه التحديات؛ فالإعلام الذي يحترم وعي جمهوره لا يخشى تقديم الحقيقة كما هي، وهو أيضاً لا يغفل عن دوره في بناء الأمل وتعزيز الثقة بين المواطن ودولته.
نعم سمو ولي العهد؛ ففي ظل التحول الرقمي الذي يشهده العالم، بات من الضروري أن يستخدم الإعلام الأدوات الحديثة للوصول إلى جمهور أكثر تنوعاً؛ فوسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال، ليست مجرد منصات لنشر الأخبار والترفيه، بل هي مساحة للحوار والتفاعل، يمكن أن تتحول إلى ساحة لتعزيز القيم الوطنية إذا ما تم استخدامها بحرفية، وفي الوقت نفسه، يبقى للإذاعة والتلفزيون دورهما الحيوي في الوصول إلى شرائح أوسع من المجتمع، خصوصاً في المناطق التي لا تزال تعتمد على هذه الوسائل التقليدية.
وللإنصاف والشفافية في الطرح فإن الرسائل وحدها لا تكفي؛ لأن القوة الحقيقية للإعلام تكمن في القصص التي يرويها؛ قصة المعلم الذي يبني أجيالاً على قيم الوطنية، أو الجندي الذي يحمي حدود الوطن بروح من التضحية، أو حتى الشاب الذي يُبدع في مجاله ليكون قدوة لجيله، أو ذلك المواطن الذي يقدم مقترحات تعود على الوطن بالفائدة في شتى المجالات؛ هذه القصص هي ما يمنح الهوية الوطنية روحاً وحياة، وهي ما يجعل المواطن يشعر بأنه جزء من شيء أكبر من نفسه.
نعم سمو ولي العهد؛ يبقى الإعلام الوطني أمام مسؤولية جسيمة، مفادها أن يكون مرآة تعكس تطلعات الوطن والمواطن، وأداة تعزز الحوار بينهما، دون أن تفقد مصداقيتها أو تستسلم للتأثيرات الخارجية؛ فإذا نجح الإعلام في أن يكون صوت الشعب وعينه التي ترى الواقع دون تحيز، فإنه بذلك لا يعزز فقط الانتماء الوطني، بل يضع أسساً لمجتمع أكثر وحدة وتماسكاً؛ لأن الوطن في جوهره، ليس مجرد حدود أو حكومة، بل هو قصة تُكتب كل يوم بمشاركة الجميع؛ وهذه هي رؤية الحسين بن عبدالله الثاني للإعلام الأردني بأن يكون صوت الوطن والمواطن.