انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الباشا الرقاد يكتب: الساحة السياسية العربية بين... مبدأ عدم التدخل واختراق السيادة

مدار الساعة,مقالات,الأمم المتحدة,الجامعة الأردنية,القوات المسلحة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/04 الساعة 16:40
حجم الخط

*بقلم: اللـــ ـــ ــواء الركن (م) د . محمد خلف الرقاد
إن المراقب لوتيرة تسارع الأحداث على الساحات السياسية والعسكرية العربية والإقليمية والدولية يرى بوضوح انقلاب معايير العلاقات الدولية التي توافقت عليها الدول ، وعقدت بموجبها التحالفات ، وبناءً عليها تم توقيع المعاهدات ، واستناداً إليها أُنشئت العلاقات ، وبخاصة بين الدول الأقوى والأقل قوة والأضعف ، مع أن كل دولة من هذه الدول لها ميزة استراتيجية تكمل ميزات الدول الأخرى المنخرطة في الحلف أو المعاهدة ، وما ينسحب على الدول ينطبق على المنظمات الدولية وصولاً إلى الجماعات وحتى الأفراد في بعض الأحيان .

وحول مفاهيم مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول ، دعونا نتبع ما اتفق عليه الكثير من علماء وخبراء العلاقات الدولية الذين تكوَّن لديهم شبه إجماع على أن مبدأ عدم التدخل موجود منذ القدم إلا أنه لم يتبلور بشكل أوضح إلا بعد قيام الثورة الفرنسية خلال الفترة من (1789 – 1799 ) ووضع الدستور الفرنسي في عام 1793 ، ويمكننا القول بأن الفكرة الواضحة لمبدأ عدم التدخل فرنسية المنبت ، حيث نجحت الثورة في إشهار نظام سياسي فرنسي جمهوري جديد في أوروبا ، وقد أشاع هذا النظام السياسي الجديد الخوف في قلوب الحكام من الأباطرة والإقطاعيين في الدول الأوروبية ، مثلما حدا الأمر بالثورة الفرنسية إلى تثبيت مبدأ عدم التدخل في الدستور الفرنسي الجديد في عهد الجمهورية الفرنسية الأولى ، والذي نص في بعض مواده على عدم التدخل في السياسات الداخلية والخارجية لدول أوروبا ، وفي المقابل عدم السماح للدول الأوروبية بالتدخل في شؤون فرنسا الداخلية والخارجية ، واليوم يشهد المراقب للأحداث تدخل فرنسا الحديثة في بعض النقاط السياسية الساخنة في المنطقة العربية وعلى مستوى الإقليم .

كما اهتمت الولايات المتحدة الأمريكية بمبدأ عدم التدخل في شؤون الدول منذ تلك الرسالة التي وجهها الرئيس الأمريكي الأول جورج واشنطن إلى الشعب الأمريكي بعد انتهاء ولايته الثانية عام 1797والتي حذرهم فيها من مغبة التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأوروبية ، وينصحهم بالابتعاد عن النزاعات الناشبة بين هذه الدول ، واليوم يرى المراقب عنجهية تصريحات وتدخلات الإدارة الأمريكية في شؤون الدول والشعوب المغلوبة على أمرها جهاراً نهاراً ، غير آبهين لنتائج هذا التدخل ... ليُقتل من يُقتل ، وليمت من يمت ... والمهم كم يتحقق من الأهداف لحماية المصالح الأمريكية .

وبعد الحرب العالمية الثانية ، كرّست النظم السياسية العربية قاطبة اهتمامها بهذا المبدأ وتأييده ، وذهبت بالإجماع إلى تثبيته في المادة الثامنة من ميثاق جامعة الدول العربية بعد إنشائها في عام 1945 .

ولكن ظلت هذه الاهتمامات الدولية بمبدأ عدم التدخل ضعيفة الفاعلية ، وهامشية إلى أن أعلنت الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية الاهتمام بالمبدأ وأعلنته في عام 1947 ، وأعقبت هذا الاهتمام في نصوص أخرى في مواثيقها في عام 1965 ، وفي عام 1970 تم إعلان مباديء القانون الدولي .

وهنا من الطبيعي جداً أن ترحب الدول بهذا المبدأ وتقوم على تفعيله بشكل جاد ، لأنه يحمي بلدانها وأنظمتها السياسية ، ويحافظ على استكمال حلقات السيادة والاستقلال فيها ، كونه يُحرِم كل أوجه التدخل في شؤون الدول الداخلية والخارجية ، مثلما يمنع منعاً باتاً وقطعياً تقديم أي شكل من أشكال المساعدة من قبل بعض الدول القوية للدول الأقل قوة أو لمنظمات دولية أو لمجموعات أو حتى لأفراد بشكل مباشر أو غير مباشر لتقوية مواقفها ضد دولة ذات سيادة ، لأن مثل هذه المساعدات تُعدُّ اختراقاً واضحاً للقانون الدولي ، ولسيادة واستقلال الدول المُتَدَخَلِ فيها .

وفي الوقت الذي كان فيه الحكام والسياسيون في العالم ينأون بأنفسهم وبدولهم عن إنشاء التحالفات التي تقود إلى الحروب غير ذات الصلة بالدفاع عن النفس ، ويتعاهدون على عدم شن الحروب ضد الدول الأخرى - تحقيقا لمباديء العلاقات الدولية والقانون الدولي التي نصت على مبدأ السيادة للدول وحقها في فرض السيادة على أراضيها ، وحق شعوبها في تقرير مصيرها وفي اختيار النظام السياسي الذي يتلاءم مع تطلعاتها ومع طموحات شعوبها ، بعيداً عن الضغوط الدولية ، وبخاصة من الدول الأقوى ذات الأطماع التوسعية وذات المصالح في مدِّ نفوذها وسيطرتها على دول عديدة ، لاتملك القوة الكافية للدفاع عن مصالحها ، وليس لها اقتصاد يغنيها عن المساعدات الدولية – في الوقت ذاته نرى دولاً كبرى تسعى لفرض هيمنتها وسيطرتها على الدول الأقل قوة أو الأضعف سعياً لتحقيق مصالحها ولو كانت على حساب الآخرين ، فتصريحات الرئيس الأمريكي ترامب واضحة ، ولا يهمه سوى كم تربح أمريكا ، ولتذهب الدول بشعوبها إلى الجحيم ، وهو يستخدم كل أشكال التدخل سواء بالقوة العسكرية ، أو بالتلويح باستخدام القوة ، أو التهديد بالعقوبات الاقتصادية أو بالحصار أو غيره من الوسائل المتاحة .

وما نريد أن نوصله من خلال هذه المقالة المختصرة – رغم الإدراك للتضارب بين شرعية أو عدم شرعية أو مشروعية التدخل – هو أنه مع بروز النظام العالي الجديد ، فإن مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية والخارجية آخذٌ بالتآكل والاهتراء والاهتزاز ، مقابل تنامي أطماع الدول الكبرى ، وتعقُّد الترابط السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي والتقني بين الدول في ظل ثورة الاتصالات وتفجر المعلومات ، وفي ظل خطورة تصاعد الدور الإعلامي لمواقع التواصل الاجتماعي ، وفي بيئة أظهرت ضعف الكثير من القيادات السياسية لبعض الدول مقابل صعود قوة التنظيم الدولي من خلال تنامي دور المنظمات الإقليمية والدولية الرسمية وغير الرسمية التي أخذت في تعميق تدخلاتها في شؤون الدول تحت مظلة بعض الدول الداعمة التي تسعى إلى تحقيق أهدافها في الهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ على الدول الأقل قوة والضعيفة بطرق مباشرة وغير مباشرة .

كما تسعى هذه المقالة إلى إيصال رسالة واضحة مفادها أن الحكومات التي لا تسعى إلى بناء قوتها الذاتية وإلى بناء جبهتها الداخلية ، وتتصرف كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال ، ولا تسعى إلى محاربة الفساد في داخلها ، ولا تسعى إلى تطوير قوتها السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية ، فإن مثل هذه الحكومات لن تكون قادرة على حماية استقلالها ، بل ستبقى عاجزة عن منع اختراق سيادتها ، وعن مراعاة مصالح شعبها ومواطنيها، وعن الحفاظ على وحدتها وسلامة جبهتها الداخلية ، فالشعوب هي الأساس مهما بلغت من الضعف , ولا بد لها من النهوض وإدراك ما يحيط بها من مخاطر .

أيضاً ما ترغب هذه المقالة إيصاله هو أن قوة الدولة تكمن في قوة وشجاعة قيادتها السياسية أولاً وفي سلامة وبناء جبهتها الداخلية والحفاظ على تماسكها ثانياً ، وتوافر الإرادة السياسية على العدالة في التوزيع ومحاربة الفساد ثالثاً ، ومراعاة مصلحة مواطنيها والاستجابة الممكنة لمطالبهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية دون رفع للسقوف رابعاً ، وبناء القوة الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية والثقافية والعسكرية والأمنية خامساً ، ولا بد من إيجاد صرفة للقيادات المتمسكة بكراسيها الحريصة فقط على مصالحها ، والتي لا يهمها إلا كم ستكسب ، وكم ستأخذ في ظل تخوف وتهيب وتردد في اتخاذ قرارات ترفع من شأن المواطن ومن شأن النظام السياسي بأكمله ... إلى غير ذلك من أسباب قوة الدولة التي تجعلها عصية على كل الأخطار والتحديات ، منيعة على كل التعديات والتدخلات ، فحين تمتلك الدولة أسباب المنعة والقوة ، عنده لا يمكن لأية دولة أخرى قوية أو أقل قوة أن تفكر في التدخل بشؤونها الداخلية أو الخارجية ، وقوام ذلك كله : القيادة الصالحة ، والمواطن الحق ، والعدالة في التوزيع ، وتقديم المصلحة الوطنية بحيث تبقى هي العليا .

*محاضر غير متفرغ في كلية الدراسات الدولية – الجامعة الأردنية.
مدير التوجيه المعنوي في القوات المسلحة الأردنية الأسبق .
الملحق العسكري الأردني في القاهرة الأسبق .

مدار الساعة ـ نشر في 2019/11/04 الساعة 16:40