قدمت الدولة الأردنية كل ما يمكنها دعماً للقضية الفلسطينية منذ بداية النكسة وموجات الهجرة الفلسطينية واللجوء عام 1948، حيث هاجر الكثير من أبناء الشعب الفلسطيني الى الأردن التي احتضنتهم بكل حب بعدما ترك أرضة ووطنه مُهجّراً مرغماً نتيجة الحرب وحركات الإبادة الجماعية والتهجير التي كانت تقوم بها العصابات الصهيونية الاستيطانية، حيث هاجر الكثير منهم إلى دول الجوار الفلسطيني مثل الأردن وسوريا ولبنان ومصر"قطاع غزّة" بالإضافة الى العراق والكويت
الدولة الأردنية كانت مع أهل فلسطين منذ البداية وفي صفهم، واعتبرت قضيتهم قضيتها إلى يومنا هذا، ففي حين لم تعطهم دول اللجوء الجنسية للحفاظ على هويتهم وكوسيلة ضغط على المجتمع الدولي للحفاظ على حق العودة أعطاهم النظام السياسي الأردني الجنسية لأنه أعتبر في ذلك وسيلة لتأمين حقوقهم، وتمكينهم من العيش بكرامة بدلاً من تركهم بلا هوية أو حقوق في ظل الظروف الصعبة التي يعيشونها بعد النكبة، ورغم ذلك استمر أيضاً وفي نفس الوقت في التأكيد على دعم حق العودة، ولم يعتَبِر منح الجنسية تنازلاً عن هذا الحق بل اعتبرها خطوة لحماية الفلسطينيين وتمكينهم من الدفاع عن قضيتهم من موقع أكثر استقراراً، ناهيك انّه كان قراراً مؤقتاً لدعم استقراهم وليس كبديل عن قضيتهم
عام 1950 قام الأردن وفلسطين بضمً الضفة الغربية لادارة شؤون الفلسطينيين في ظل غياب حكومة رسمية أو ممثل عن الدولة الفلسطينية آنذاك، وكان هذا القرار بدعم من القيادات الفلسطينية كما ظهر جليّاً في مؤتمر أريحا، الذي دعا إلى هذه الوحده لحماية الأراضي الفلسطينية والذي انتهى بفك الإرتباط بمجرد قيام منظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد عن الشعب الفلسطيني عام 1988, ولمن لا يعلم فإن رغم هذا الضم بقيت الضفة الغربية أرضاً فلسطينية لكنها كانت فقط تحت الإدارة الأردنية كدعم واضح للشعب الفلسطيني من قبل النظام السياسي الأردني والمدعوم بالدماء الأردنية على ثرى فلسطين الحبيبة وفي سبيل تحريرها
لم يبخل الأردن والأردنيون يوماً على الشعب الفلسطيني رغم كل التحديات، ورغم مُحاولة البعض في بداية السبعينيات زعزعة استقرار النظام الأردني إلا أن الدولة الأردنية أعتبرت أن ماحصل هو عمل محصور في فئة بسيطة، ولم تأخذ الجميع بجريرة ما فعله البعض منهم، واستمرت بالتعامل معهم وتمكينهم من العيش بكرامة، ولم تتخل عن هذا الدعم إلى يومنا هذا
رغم أنّ جميع إجراءات منح الجنسية الأردنية للاجئين الفلسطينين كانت مؤقته "حسب تصريحات الحكومات الأردنية" ولحماية الشعب الفلسطيني ولضمان كرامتهم، فقد استمر الوضع على ما هو عليه لغاية يومنا هذا لقناعة النظام الأردني بذلك كدعم واضح للشعب الفلسطيني، وأصبح الأردنيون من أصل فلسطيني يتمتعون بكامل حقوق المواطنة، كالوظيفة الحكومية، والاستثمار، والتملّك، والتجنيد العسكري، وكلما تقدم الزمن واستجدت الظروف فإنهم أصحاب حقوق كامله في جميع المجالات
الأردن لم يكن يوماً في الصفوف الخلفية عندما يتعلق الأمر بدعم الشعب الفلسطيني وقضيّتهم، بل أعتبرها قضيته الرئيسية، ولم يستغل اللاجئين على أراضيه، ولم يستخدم يوما سلاح الجنسية ضدهم كما تفعل باقي الدول مع رعاياها المُجنّسين، حتى بات المواطن الأردني عاتباً في بعض الأحيان على الدولة من بعض الامتيازات التي مُنحت لهم، واللتي اعتبر بعضها تغوّلاً على حقوقهم
الشعب الأردني يعرف جيّداً أن الفلسطينيين هم إخوتهم وأقرب العرب إليهم وإلى عاداتهم، ويعرف جيّداً أنّ الشعب الفلسطيني يعاني جّراء التهجير في الخارج والموت والدمار في الداخل الفلسطيني، ويعتبر اخوّة الفلسطينيين أمر حتمي وأنّ وحدة المصير قدر واضح المعالم منذ الأزل، كما يتفق الأردنيون مع قيادتهم الهاشمية ويصطفّون خلفها داعمين لموقف الدولة الأردنية في مواقفها المُشرّفة عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، لكنهم يضعون الوطن ومصالحه فوق كل الإعتبارات عندما يتعلق الأمر بمصالح الدولة الأردنية العليا وهويّتهم الوطنية
الشعب الأردني لا يريد أن يتم إستغلال هذا الدعم من قبل البعض ليتم تحويله إلى أداة لتمييع حق العودة أو الإستغناء عنه، حيث يحاول البعض إلى استغلال سياسة الدولة لتجيير هذا الدعم من خلال الدعوة إلى التوطين وما يسمونه "الهوية الجامعة" في تحدي صارخ للهوية الوطنية الأردنية التي يؤكّد باستمرار على وجودها وقدسيتها جميع الأردنيين وعلى رأسهم جلالة الملك المفدى وولي عهده سمو الأمير الحسين الذين يعتبرون أنّ المظلة الجامعة لكل مكونات هذا الوطن هو الهوية الوطنية الأردنية
لذلك فإن الانخراط في المجتمعات لا يعني التخلي عن الهوية، ولا الدفاع عن الهوية الوطنية الأردنية يعني عدم قبول الآخر، ولا يعني النداء المستمر بحق العودة للشعب الفلسطيني عدم الرغبة في تواجدهم بكل حب على الأراضي الأردنية منذ 76 عام ، بل يعني الدعم الكامل غير المنقوص لحقوقهم ومطالبهم بالتحرير الكامل للدولة الفلسطينية من البحر إلى النهر، كما أن دفاع الأردنيين عن هويتهم الوطنية الأردنية والتأكيد أنّ للفلسطينيين هويتهم الوطنية المُنفصلة وإن تجانست العادات والتقاليد لا يعني العنصرية أو التخلّي أو الرفض، كما يؤكد النظام الأردني وحكوماته دائماً أنّ "الأردن للأردنيين وفلسطين للفلسطينيين"