بقلم: أوس حسين الرواشدة
كلمة الأيديولوجيا مأخوذة في الأصل، من كلمة "إيديا" وتعني الفكرة وكلمة "لوغوس" وتعني حرفيا "الكلمة"، واختلفت التكهنّات حول أصل الأيديولوجيا بمفهومها الحديث، سواء أكانت تؤيّد أنّها من تأليف السياسي "دي تراسي " أو تعارضها ، لكن - على أيّة حال -، يبقى مفهوم "الأيديولوجيا " بشكله الحديث ثابتا عند الجميع "تقريبا"، وهو النّسَق الكلّي للأفكار والمعتقدات والتي تُتَرجمها الأفعال في المجتمع ، بمعنى آخر ، الأيديولوجيا هي الفكرة " المُترسّخة " في عقولنا حول مجال مُعيّن، فلكلِّ مجال ، أيديولوجيا خاصّة به.
إنَّ مفهوم الأيديولوجيا منتشرٌ في العالم أجمع، وهذا ما يميزها، لكنَّ خطورتها تكمن في عدم معرفتنا بها ، ففي مجتمعنا مثلا نمارس الأيديولوجيا بدون علمنا ، وأحيانا تُمارَس "ضدنا" بدون علمنا أيضا، وفي كثير من الحالات في بلدنا، تكون الأيديولوجيا "عُجِنَت" بنا ، ففقدنا الإحساس بوجودها، وكأنها أمرٌّ "فِطريّ" وبديهيٌّ أيضا ، ومن هذا الباب ، دخلت علينا "جراثيم " شوّهت منطق الأيديولوجيا ، وأظهرتها بأسوأ حالاتها ، بل وأفرزت منها ، مظاهر جديدة لم يكن لها وجود.
تُمَثّل أيديولوجيا المجتمع في بلدنا "بالتعصّب"، ومن أشهر حالاتها، التعصّب "العشائري"، وانبثق من هذا التعصّب، أفكارٌ وُلِدنا وهي " تحاصرنا " ومنها أنَّ " ابن العشيرة " يحظى " بالواسطة " في معظم الأحيان ، ويحظى أيضا " بغضِّ الطرف " عنه في أيِّ أمر سلبيّ، ناهيك عن أننّا تعمقّنا في هذا التعصّب ، إلى أن خلقنا له أصنافا جديدة ، فأصبحنا نتعصّب لأي شخص يماثلنا في أيّ شيء ، فنتعصّب لمن هو من نفس منطقتنا ، ولمن يشاركنا هواياتنا، وحتى لمن يشاركنا أصدقاءنا.
إلى متى سيبقى المسؤول جالسا على " كُرسيه"؟ ، سؤالٌ -في الحقيقة- تتجلّى بهِ الأيديولوجيا السياسية في وطننا ، فالمسؤول "غالبا " يمضي على استلام واجباته الوطنية سنوات "عِجاف"، فإذا ما أردنا أن نقارن الوقت الذي أمضاه وهو على مكتبه بالواجبات التي حققّها ، ستكون الواجبات شبه معدومة، إِلَّا لمن " يتعصّب " لهم بالطبع ، ففي مجتمعٍ صغير مثلنا، يؤثّر كلُّ شيء على الآخر، فالمسؤول " الفاسد " هو " ناقل العدوى " لنا ، فيرسّخ أيديولوجيا التعصّب والفساد في عقولنا، والتي تتمثل بمقولة " أنا والي معي وعلى الدنيا السلام".
كل هذه " الجراثيم " تصبُّ في توزيع الثروات "الظالم" في مجتمعنا ، فمن التعصّب والواسطة، يُخلَق المسؤول الفاسد ، ومنه إلى " نهب " ثرواتنا ، وتوزيعها بين أشباههم، فتغدو أيديولوجيا الاقتصاد بمثابة " نكتة " يضحك عليها المسؤول الفاسد والمتعصّب وصاحب الواسطة فقط.
كل تلك الأمثلة التي تُمثّل " بعض " الجراثيم التي أصابت أيديولوجيا المجتمع لدينا ما هي إِّلا نتيجة ضعف وهشاشة أيديولوجيا الأخلاق في عقولنا، وهي بكلِّ إيجاز : التفريق بين الصواب والخطأ ، فعندما نضع أخلاقنا على "الرّف"، نفقد القدرة على فعل ما يجب أن يُفعَل، وبالتالي ولادة مجتمع متعصّب يخرج منه مسؤول فاسد يساعد على ضياع ثرواتنا، هي سلسلة أخطاء تبدأ من " أخلاق مفقودة " وتنتهي "بأوطان مشلولة".
الأيديولوجيا فكرة، والفكرة ممكن تغييرها ، لكن من الصعب إزالتها ، إذا هل فعلاً الأيديولوجيا في بلدنا تعبّر عن " وعيٍ زائف " ؟ ، أم أنها موجودة بصورة إيجابية لدى البعض ؟ ، لكن هناك من قام " بتشويهها"، فظهرت هكذا ، وأظهرت معها أيديولوجيا سلبية، غسلت عقولنا.