انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

خاطرة .. القمر والإنسان

مدار الساعة,مقالات,القوات المسلحة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/22 الساعة 13:45
حجم الخط

بقلم : عزت العزيزي

نشرت في المجلة العسكرية الصادرة عن مديرية التوجيه المعنوي في القوات المسلحة الاردنية – العدد 68 حزيران/تموز 1969

أمسك الملايين انفاسهم وفتحوا عيونهم وآذانهم ولو استطاعوا لأوقفوا دقات قلوبهم وهم يشاهدون قدم أول بشر يستبيح حمى ما استباحه من قبل بشر قط، ولا غير بشر مما يدب على هذه الأرض التي كنا نقول عنها أنها واسعة، وما عادت رحبة ولا واسعة.

وانطلقت في أرجاء الأرض أقلام وأبواق، وكمرات وشاشات تكتب وتتحدث ، وتصور وتعرض هذا النصر الرائع والكشف الهائل .. نصر الانسان على عوائق الزمان والمكان وقوانين الجاذبية وغير الجاذبية .

ولا شك أن هذا النصر الانساني والانجاز العلمي لا ينال من روعتهما نقد ولا يقلل او يزيد من اهميتهما ذم او مدح ، ولكن فكري أبى أن يستقر على ذلك والحت علي خواطر لم استطع منها فكاكا:

أولا: أي فائدة يجنيها الانسان كفرد، مجرد انسان بصرف النظر عن جنسيته، أو حتى بصرف النظر عن انتمائه لشرق أو غرب او لما بينهما او لما هو خارج عنهما او داخل فيهما، بصرف النظر عن لونه وعنصره ، عن كونه أمريكي راسمالي او اشتراكي روسي او صيني، يؤمن بدين او لا يؤمن حتى بوجوده. أي نفع لهذا الانسان سواءا اكان في ناطحات نيويورك او في خيام البقعة، في قلاع الكرملين او في سجون اليهود، أي نفع له من صورة لوجه القمر أو لقفاه !؟ أي خير يناله من حفنة من ترابه او نسمة من هوائه ان كان فيه هواء. ؟! كم من آلاف الملايين أنفق اصحاب ابولو وأرباب لونا في سباقهم المسعور منذ بدأوا سباق الفضاء الجنوني حتى يجيئوا اخيرا بصورة ملونة او غير ملونة وبحجر وحفنة تراب ، ألم يبق فقير في ارجاء الارض او مريض؟ الم يبق عار او جاهل؟ لا اريد ان يبصر نيكسون وبريجينيف عراة افريقيا او يسمعا صراخ جياع الهند او يعلما عن مشردي يافا وحيفا واريحا ونابلس والخليل ، لا اريدهم ان يصلوا الى شيء من ذلك فهو بعيد عنهم ، ابعد من القمر وافلاك السماء ونجومها، ولكنهما .. ألم يسمعا بجياع عندهما وفقر على اسوار قلاعهما؟ هل انتهى الفقر من حي هارلم في نيويورك او من حي الزنوج في واشنطن؟ هل نال عمال روسيا وفلاحوا القوقاز وسكان سيبيريا ما يصبون اليه من عيش متواضع ؟ هل قضي على المرض في الامبراطوريتين العظيمتين امبراطورية ابولو وامبراطورية لونا ؟ فكم من مريض لا يجد الدواء وعار لا يجد الكساء وجائع لا يجد الغذاء في اقطار الارض ، يستطيع بعض ما انفق على جلب التراب ان يجلب لهم دواء وكساء وغذاء فتضحكهم كسرة خبز او مزقة ثوب او جرعة دواء وتدخل البهجة الى قلوبهم وتأتي بالبسمة الى شفاههم .

إن بسمة طفل لهي أجمل عندي من كل صور القمر وان دمعة فرح من شيخ مريض لهي أثمن عندي من كل تراب القمر وحجارته.

كم من شعوب تقتل بعضها بعضا تنفيسا عن ازماتها الاقتصادية وتكاليف دفع انسان الى جو القمر يحل تلك المشاكل.

ثانيا : أن هذا القمر على بعده جار قريب وقريب جدا اذا ما قيس بعده بابعاد النجوم ، وحسبنا اننا لا نقيس بعدها بالاميال ولا بملايين الاميال وانما نقيسها بالسنين الضوئية ، ولنعلم بعد السنة الضوئية الواحدة علينا ان نضرب سرعة الضوء في الثانية وهي 186000 ميل/ثانية نضربها ب 60 فتكون الدقيقة الضوئية ثم نضرب الناتج ب 60 فتكون الساعة الضوئية ثم نضرب الناتج ب 24 فيكون اليوم الضوئي ، ونضرب الناتج ب 365 فتكون السنة الضوئية ، ثم نبحث في أبعاد النجوم فيخبرنا اهل العلم فيها ان ابعاد بعضها يصل الى ملايين السنين الضوئية فاقول سبحانك ربي ما اعظم قدرتك، فليصل الانسان الى القمر والى ما هو ابعد من القمر ولكن هل يستطيع ان يسير دقيقة ضوئية واحدة بمثل سرعة الضوء ؟ ولو فرضنا المستحيل وانه استطاع ذلك فهل يجد العمر ليسافر الى تلك النجوم والكواكب راكبا برقا مليون سنة او تزيد؟

وهكذا يبدو لي القمر لا جارا للارض فحسب بل وكانه ملتصق فيها اقرب من حبل الوريد.

وثالثا: اننا معشر المسلمين قد دعانا القرآن منذ اربعة عشر قرنا الى ارتياد الكون أرضه وبحره وسمائه وكواكبه ونجومه، دعانا الى ارتياده بابصارنا وبصائرنا واجسامنا ، بل أباحه الله لنا واعتبره ملكا لنا نستغله ونستفيد من مياهه وما فيها ، من ترابه وصخوره واعماقه ، من جوه وهوائه ومن نجومه وكواكبه نذهب الى ما نريد او نأتي بما نشاء (سخر لكم ما في البر والبحر) ، ( قل انظروا ماذا في السماء والارض) ، ( خلق لكم ما في السماء والأرض ) ... فماذا فعل المسلمون وخاصة في عصرنا الحاضر .. غيرنا يغزو القمر ويغوص بالبحر ويمعن في أعماق الارض ونحن ما زال فينا من يناقش أين تقف الأرض؟ وهل هي ثابتة ام متحركة؟ ويصدرون الفتاوى والاحكام ويزجون بالدين في مزالق ومهاو، والدين منهم ومن كل محدود الفكر منغلق العقل براء.

مدار الساعة ـ نشر في 2019/07/22 الساعة 13:45