أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

كل شيء للبيع

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

«للبيع» مكتوبة بالاسود والاحمر والاخضر والابيض، وتنتشر في كل انحاء عمان، وعلى فارغ الصبر ينتظر ناشروها التقاط زبائن يفاوضون ويشترون.
حملة اعلانية غير مبرمجة، ولا يقف وراءها جهة محددة الهوية، ففجأة وتحديدا من شهور قريبة صارت اعلانات للبيع تغزو عمان، بيوت وفلل وشقق وعقارات واراض وممتلكات خاصة معروضة برسم البيع.
موجة كل شيء للبيع انتقلت من الكتابة على الحيطان والاعمدة، واعلانات الشوارع الى صحف الجرائد اليومية.
زمان كنت «تقلب» عمان بالطول والعرض حتى تعثر على اعلان في المجال العام لبيع عقار على اختلاف أنواعه وأصنافه، فأما اليوم في البناية الواحدة عشرات الاعلانات منثورة على الشبابيك والاسطح والواجهات «للبيع للبيع».
موجة اعلانات «للبيع» لافتة للانتباه، ولربما من يتابعها يكتشف كم أن السوق المحلي غارق بهذا الخيار «للبيع»، ويبدو أنه الخيار الأمثل والوحيد والاصلح بين يدي ملاك واصحاب مصالح ومواطنين عاديين.
«للبيع»، فاما لداعي الهجرة والسفر أو لداعي التعثر المالي وسداد البنوك، أو لدواع أخرى كلها مقرونة ومربوطة بالكساد والعجز الاقتصادي والمالي لقطاعات اقتصادية ومواطنين.
إعلان يخفي أزمة عميقة بطرفيها: الخفي والظاهر لم تعلن عن نفسها بشكل مباشر وعلني ورسمي.
من يملك شيئا يعرضه للبيع، كل شيء للبيع، مؤشر عام يغزو المدينة، ولا يمكن الا ربطه بالاوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية والمرعبة التي يمر الاردن بها.
شريحة متحركة في المجال العام يرفعون «كرت احمر» للمغادرة، ومن يتصورون أنه لا خيار بين ايديهم الا البيع، عاجزون وغير قادرين على الاستمرار والتحدي، فمن يتورط بقروض بنكية ومن يتحمل كلف تشغيل واعباء مالية لم يعد يطيق تحملها.
«للبيع» عبارة لا توحي بالايجابية، مؤشر في الاقتصاد يعني الكثير والكثير، وخاصة عندما ترتبط الامور بالبيع تحت الضغوط والتعثر والعجز المالي والمديونية.
وحتى من لا ينشرون «للبيع»، فانهم لا يتخلون عن هذا الخيار في مداولات اعمالهم ونشاطاتهم العامة والتجارية، يرددونها كخيار دون تمهل أو اعادة نظر.
كلمة بسيطة، وأقل من عبارة، فاضحة للوضع الاقتصادي العام، تكتشف ان وراءها ثمة ما يقلق الاردنيين، ويجعلهم يشعرون بخوف زائد ومضاعف، ولا يمكن النظر الى كلمة «للبيع» والتفكير بها باستسهال.
بالطبع نتحدث هنا عن عجلة اقتصاد عام، ونتحدث عن مؤشرات الاستهلاك، ما بين الزيادة والنقصان والضعف والقوة والاقبال والتردي، وهذا ما يعنون الاقتصاد الاردني في هذه المرحلة.
وببساطة فان «للبيع» تحمل تحذيرا سريعا وسريا.. تحذيرا من الوقوع في فخ التدهور الاقتصادي، او الدخول في دائرة ازمات كبرى تمس الاحتياجات الرئيسية، تحذيرات من خيار مهيمن على الوضع العام.
موجة «للبيع» لم تمر على الاردن كما هو اليوم، الاقتصاد الاردني من عقود يعاني من أمراض مستفحلة، ولكن لم يعرف أكثر مما يمر به الان من «أزمة خانقة» ويسميها الخطاب الرسمي «عنق الزجاجة» التي يبدو أن الخروج منها صعب ان لم يكن مستحيلا.
الدستور

مدار الساعة ـ