انتخابات نواب الأردن 2024 أخبار الأردن اقتصاديات جامعات دوليات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

منطق التاريخ!

مدار الساعة,مقالات,الملك عبدالله الثاني,الأمم المتحدة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/05 الساعة 03:35
حجم الخط

الدكتور يعقوب ناصر الدين

هذه المنطقة التي يطلق عليها منطقة الشرق الأوسط هي التي مثلت وستظل تمثل عمق الحياة الإنسانية على الأرض ، بكل تقاربها وتباغضها ، وتعاونها وتحاربها ، وعمارها وخرابها ، وكل ما في الحياة من تشابه أو تناقض بين الشيء ونقيضه ، إنها المنطقة التي لا تجد فيها فاصلا يفصل بين الثروة الهائلة ، والفقر المدقع ، ولا بين عناصر التحضر والرقي ، ومظاهر التخلف والفشل !
لا نكاد نجد هنا قضية واحدة محسومة منذ فجر التاريخ ، لا على مستوى الديانات أو المذاهب أو الثقافات والحضارات ، وإن كانت مساحات التعايش والتقبل وحتى المناورة موجودة دائما وأبدا وربما لهذه الأسباب يصعب علينا فهم التطورات والأحداث ، لأنه ليس منطقيا أن نستحضر المعادلة التاريخية كلما وجدنا أنفسنا أمام عملية سياسية معينة ، حتى نتمكن من وضع كل شيء في نصابه .
ثمة ما هو ضد الطبيعة ، وثمة ما هو نقيض لمنطق التاريخ ، حين يتم الحديث عن المستقبل كما هو واقعنا اليوم ونحن نسمع مثلا عن صفقة القرن ، فالطبيعة هنا تكره الفراغ ، ولكنها لا تقبل سده بالملوثات ، أو اقتلاع الجذور ، وقد أعجبني رد أحد الرجال الفلسطينيين البسطاء وهو يجيب على سؤال محطة تلفزيونية لماذا خلع الإسرائيليون أشجار الزيتون من أرضك ؟ فرد قائلا إنهم يعيشون عقدة الجذور ، يتصورن بذلك أنهم يخلعونني ، في الوقت الذي لن يستطيعوا غرس أنفسهم هنا أبدا !
هناك من يستغرب مثلا المواقف التي يعبر عنها جلالة الملك عبدالله الثاني بشأن القدس والوصاية الهاشمية على المقدسات ، والمطالبة القوية بخيار الدولتين الذي ينادي به جلالة الملك ، حتى يتحقق السلام من خلال حصول الفلسطينيين على حقهم المشروع في إقامة دولتهم المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية ، فضلا عن بقية حقوقهم المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة .
سبب الاستغراب هو الاعتقاد الخاطئ بأن منطق القوة يعلو على أي منطق آخر ، ولو كان ذلك صحيحا فأين هي القوى التي سادت ثم بادت عندما تصرفت وكأنها المتحكم الأوحد في الأرض ومن عليها ، حتى أن البعض لا يتردد في القول بأن الأردن لا يستطيع أن يقف في وجه قوى عظمى إذا أرادت أن تصفي القضية الفلسطينية ، ولكن قد يغيب عن بالهم أن قوة المواقف يمكن أن تستند إلى منطق التاريخ والطبيعة معا ، فكيف يكون الموقف عندما تكون الرؤية واضحة في قراءة المستقبل واستشرافه ، عندها يستطيع جلالة الملك أن يقول كما قال بالفعل لأولئك الذين يلعبون على الزمن لا تضيعوا وقتكم ، ولا وقتنا ، فنحن نعرف معادلة السلام جيدا في هذه المنطقة من العالم التي تميز بحكم الخبرة الطويلة بين السلام والاستسلام ، وبين الحقائق التاريخية وتزوير التاريخ ، بل نعرف أكثر من ذلك أن القدس هي التي تحكم على مواقفنا وليس العكس !
أقول بكل صراحة تابعت حضور جلالة الملك في القمتين العربية والإسلامية بمكة المكرمة ، وركزت في أدق التفاصيل ، وكأني به على يقين ، واثق من أن القيمة الحقيقية تكمن في الجذور الثابتة وفي النظرة الثاقبة ، وفي الإيمان المطلق بأن القوي الواحد الأحد هو في السماء، وليس على الأرض .

مدار الساعة ـ نشر في 2019/06/05 الساعة 03:35