د. مَحْمُودٌ أبُو فَرْوَةَ الرَّجَبِيُّ
رَغْم مُرور واحد وسبعين سنة عَلَى نكبة 1948 الَّتِي احتلت خلالها العصابات الصهيونية مُعْظَم أرض فِلِسْطِين، إلا أن أسرار تِلْكَ الـمَرْحَلَة ما زالت طي الكتمان، وما بَيْنَ الفَيْنَة والأخرى يَتِمّ تسريب بَعْض وثائقها، أوْ أسرارها من قبل دَوْلَة الاحتلال، أوْ عَن طَرِيق بَعْض المسؤولين الَّذِينَ دخلوا فِي مرحلة الشيخوخة مُنْذُ زمن طَويل، وكلها تشير إلى الأعمال الوحشية الَّتِي مورست ضِدَّ الفلسطينيين، وَالْوَسائِل غير الإنسانية الَّتِي ارتكبت من أجل اغتصاب أرضهم، أوْ تخويفهم، أوْ إقناعهم بترك أرضهم.
نجحت الدعاية الصهيونية الَّتِي كانَت تروج لبيع الفلسطينيين لأراضيهم فِي إقناع بَعْض العرب، رَغْم أن ما حَصَلَ، وَيَحْصل ينفي ذلِكَ، فَمَنْ يبيع أرضه لا يُمْكِنُ أن يقاوم هَذِهِ السَّنَوَات الطَّويلَة، وعقليًا لا يُمْكِنُ لشعب مُحَاصَر من الجهات جَمِيعهَا، ويمنع عَلَيْهِ كل شَيء إلى دَرَجَة أنه يضطر إلى تهريب علب الحليب لأطفاله أن يبيع أرضه، وكل يَوْم يمر يبتكر الشعب الفلسطيني وَسَائل لمقاومة الإحتلال لا تخطر عَلَى بال بشر ابْتِدَاء من الطعن بالسكاكين، وَمرورًا بالطائرات الورقية الـمُشْتَعِلَة، وَليْسَ انْتِهَاء بالحجارة، واستعمال المقلاع.
أثبتت الوقائق أن الشعب العربي الفلسطيني شعب لا يَسْتَسْلِم أبدًا، وهَذَا ما تدركه سلطات الاحتلال الَّتِي ما زالت تُحَاوَلَ ابتكار شتى الْوَسائِل للتضييق عَلَى الشعب الفلسطيني، فِي مُحَاوَلَة لاقناعه بهجر أرضه، وَقَدْ كانَت الآمال معقودة عَلَى أن أعداد الفلسطينيين ستتناقص مَع مُرور الوَقْت بِسَبَب ظروف التهجير والتشريد، وَلَكِن الَّذِي حَصَلَ هُوَ عكس ذلِكَ، وهَذَا ما أشارت إلَيْهِ رئيسة الْجِهَاز المركزي للإحصاء السَّيَّدَة عُلا عوض من أن عدد الفلسطينيين تضاعف أكثر من تسع مَرَّات مُنْذُ أحداث النكبة عام 1948م ليصل فِي نِهايَة 2017م إلى أكثر من 13 مِلْيُون نسمة، أكثر من نصفهم (6.36) مِلْيُون داخل فِلِسْطِين التاريخية.
وَهَؤلاء يُعَانُونَ الأمرين تَحْتَ ظروف صعبة جِدًّا، وَقَدْ أشار بَعْض مسؤولي الاحتلال إلى أن ما يَحْصل يخالف العقل، فرغم الحواجز العَسْكَريَّة المهينة، والجدار العازل، وَمُحَاوَلات الإفقار، والتجويع، والضرائب العالية، وَالإغلاقات، وَمَع ذلِكَ فما زالَ هَذَا الشعب يَعْمَل، ويواصل الصمود بِشَكْل اسطوري.
وَلَعَلَّ الوثائق السرية الَّتِي كُشفت حَديثًا بينت كَيْفَ أن الحكم العسكري الصهيوني فرض مثلًا عَلَى فلسطيني الدَّاخِل حَتْى عام 1966 لنهب وسلب أراضيهم، وقراهم، وتقييد حركتهم، بَلْ وتشجير هَذِهِ الأراضي وهدم ما فِيهِا وَجَعَلَهَا مَحْميات لمنع عودة أصحابها إليْهَا، وَذلِكَ كُلهُ لأنَّ جَمِيع الْوَسائِل لإقناعهم ببيع اراضهم، أوْ التنازل عَنْهَا فشلت.
فِلِسْطِين ستبقى فِي الذاكرة، وَلَنْ تضييع، فالشعب الفلسطيني يسطر كل يومي ملحمة جَديدَة فِي الصمود، ومِن يتابع وَسَائل التواصل الاجتماعي يَعْرِف أن الفلسطينيين ليسوا أيْتاماً، فلهم أخوة فِي الدَّم والعقيدة لا ينسونها أبدا، ابْتِدَاء من الأرْدُنّ وَسُوريا وَالعِرَاق، وَمرورًا بتونس وَالـمَغْرِب وليبيا، وَليْسَ انْتِهَاء باندونيسيا والباكستان.