عندما كنت بالقاهرة كنت أصاحب رجلا كبير السنّ أحسبه من الصالحين، يعرف بالعم منصور، فقال لي مرة: يا واد يا حساني، لازم الرجل يدلع زوجته، فمثلا يقول لها: إنت حلوة زي حبة المارون جلاسيه، فقلت: وما هذه؟ قال: روح عند (جروبي) وتذوقها، دي حلو الباشاوات. وهذه كانت بداية التعارف مع هذه الحلوى.
مارون جلاسيه، حلوى فرنسية، وهي عبارة عن كستناء مغطاة بطبقة من العسل أو السكر تكون كالزجاج، مرتفعة الثمن؛ لأنها تستهلك الكثير من الوقت لإعدادها. ومارون: يعني بني، وجلاسيه: أي مزججة.
أما جروبي، فهو مطعم ومقهى قديم جدا أسسه السويسري (جاكومو جروبي) يبيع الطعام والحلويات على الطريقة الفرنسية، وهو موجود بميدان طلعت حرب بالقاهرة، وهو أول من أدخل إلى مصر: مارون جلاسيه، وكريم شانتيه، وجيلاتي، إكلير، وغيرها.
وفي أحد دروسي تعرّضت لقصة أبي حنيفة مع تلميذه أبي يوسف القاضي عليهما سحائب الرحمة والرضوان، وملخصها أن أبا حنيفة قال لأم أبي يوسف: (هذا هُوَ ذا يتعلم أكل الفالوذج بدهن الفستق) فخرجت أم أبي يوسف وهي تصرّح بأن أبا حنيفة رجل خَرِف مجنون؛ لأن الفالوذج طعام الملوك، يقول أبو يوسف: (..وكنت أجالس الرشيد وآكل معه عَلَى مائدته، فلما كَانَ فِي بعض الأيام قدم إلي هارون فالوذجة، فقال لي هارون: يا يعقوب كل منه فليس فِي كل يوم يُعمل لنا مثلها، فقلتُ: وما هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه فالوذجة بدهن الفستق، فضحكتُ، فقال لي: مم ضحكت؟ فقلتُ: خيرًا، أبقى الله أمير المؤمنين، قَالَ: لتخبرني وألحّ علي، فخبرته بالقصة من أولها إلى آخرها، فعجب من ذَلِكَ، وقال: لعمري إن العلم ليرفعُ، وينفع دينًا ودنيا، وترحم عَلَى أبي حنيفة، وقال: كَانَ ينظرُ بعين عقله ما لا يراهُ بعين رأسه).
فسُئلت عن الفالوذج فقلت مقرّبا، هي نوع من الحلوى يأكله الملوك وعليَة القوم، يعني: مثل المارون جلاسيه، يأكلها الباشاوات، فقيل لي: وما (مارون جلاسيه)؟ فقفز أحد الأحباب وقال: أنا آتيكم به في الدرس القادم، وبالفعل أتى به وتذوقناه ببركة هذا العلم.
الدستور