بقلم: حسن محمود الشقيرات
قالت معلمتي ونحن نسير على رصيف ما ، أيها المغترب عن ذاته، أتدري على اي الأرصفة نحن ؟ فتلفّت حولي ثم هززت رأسي نافيا ، فقالت : نحن على رصيف الوطن . أتدري ما الوطن ؟ فخرجت من الصدر زفرة حرّى أخالها قادرة على حرق ما في الأرض من أخضر ويابس.
وأحسست الأرض تميد بي، واختلطت المرئيات أمام ناظري ، فلما رأت مابي وأحست باضطرابي، قالت لي: هوِّن عليك، واجلس على ذاك المقعد واكتب للوطن رسالتك ، فإني أعلم أنه لا يريحك إلا الكتابة.
جلست أفكر .. ماذا عساي أن أكتب إليك يا وطن.. ماذا أقول ..أأحدثك عن شوقي إليك وأنا في داخلك؟ أم عن حنيني إليك وأنا منغرس فيك ؟.. أم..أم...؟
آه يا وطن.
في القلب جرح ، وفي الحلق غصة ، ورعشة تجتاح اليدين ، ولكن القلم سار على الورق وظل يسير… وحين صحوت من غيبوبتي الفكرية وجدت معلمتي تدفع لي ورقة كتب فيها ..
سلام من الله عليك
سلام عليك في إصباحاتك
وسلام عليك في أماسيك
سلام عليك أيها الوطن المتكئ على حدِّ الجراح
الجرح الغائر في حنايا القلب ، وثنايا الروح فيها جرح ذو ندوب
أيها الوطن النازف شهداء
الصامد في وجه الأعداء
وفي ظهر الاعداء
عدو يأتيك من الخارج فتصمد في وجهه
وعدو يأتيك من الداخل ويهرب فتصمد في ظهره
ماذا أقول يا وطن؟؟
وماذا لسواي أن يقول ؟.
بعد ان دنّسوا عفافك والطهر ...
بعدما في الصدر طعنوك
وبعد أن طعنوك في الظهر
فبالأمس احتفلوا بأحد أغلى أيامك
فشوهوا احتفالهم بزواره
الذين لا يمكن ان يكونوا حتى من خدامك
واحتفلوا بيوم قدامى محاربيك ، احتفالا حوى جعجعةً لم تخرج لنا طحينا ، وضجيجاً لم يخفِ أنينا ، ومحاربوك رعاهم الله لا ناصر لهم إلا الله ، وَعَدُوهم، تغنوا بهم ، وأقسموا على رعايتهم ، وكأنهم أيتام صِغار ، وكل ما كان هو للمنابر والإعلام، محاربوك حرموا من حقوقهم كبيرها وصغيرها والحديث يطول.
واحتفلوا بآذار جيشك وكرامتك
جيشك الذي أثقلت أبناءه الديون
وخنقتهم القروض
وفوق همهم الصغير باتوا يحملون همك
إذ الدريهمات التي تدفع لهم لا تكفي ثمناً لحذاء في قدم عارية من أولئك اللاتي .....
وكرامتك التي حفظها أبناؤك بالأرواح حين سيجوك برموش العيون تصرخ سائلة عن أبنائها وماذا جرى
لأبنائهم ...؟.
ماذا أقول أيها الوطن ....؟
وأنت تسائلني عن مدنك وقراك وما حوت
وأنت تستحلفني أن أكون صادقا معك
أأقول لك إن مصادر رزقنا بيعت بأبخس ثمن...
أم أقول لك إن مواردنا لم تعد تأتي بثمن الكفن
أم أحدثك عن دموع أمهات الشهداء الثكالى يبكين أبناءهن في بيوت بان فيها العوز في لحظةٍ تلقى في الأموال الطائلة تحت أقدام الجواري
تسائلني عن شواطئك التي لم يعد لبنيك فيها موطئ لقدم
وعاصمتك الأولى تشكو الإهمال والعدم
وبلد التاريخ والمجد تصرخ من شدة الألم
وما بينهما بلدة على هامش المكان والزمان وضعوها
وأرض الأنبياء والثورة على الطغاة تصرخ ولا تجد من يجيب
وليس الحال في أرض كرامتك بأفضل
وعاصمتك التي كانت درة العواصم أغرقتها سيول الكذب والإهمال وانعدام الضمير ؟!
أما شمالك الذي كان صومعة قمح فقد أضحى رسما على الخارطة فقط
وشرقك لم يعد يعرف مالكيه
وأما شريان الحياة فيك فقد صار مقصلة تهوي تحتها آلاف الرؤوس وتحصد عشرات الأرواح كل يوم ونحن نسمع أن علاجه قد تكلف أكداساً من المال ...
ماذا أُحدثك ايها الوطن ؟؟
وبأي أفانين الحروف أناجيك ؟!.
أأقول إننا فيك أصبحنا غرباء تائهين
أأقول إن ثلة من شذاذ الأرض يعيشون على ثراك حشوا كل شئ في جيوبهم
أأقول أن بنيك يبحثون عن الدفء واللقمة
أأقول أن شمسك لم تعد تجلب الدفء ، وأن الغيث في ثراك لم يعد ينبت الزرع ...؟.
بمن أستصرخ وأستجير باسمك يا وطن ..؟
وأحرار أهلك أصبحوا شيئا تافها في عيون المغمورين من المجلوبين والمجلوبات غلمانا وجوار للمتعه التنظيرية، ينكرونهم ويتساءلون عنهم باستنكار ...؟
أأصرخ عاليا لأوقظ شاعرك فيقول (عفى الصفا )...
أم الآخر ليقول : (وطن يباع ويشترى ...)
لهفي عليك يا وطناً أبحث عنه فلا ألقاه حتى في خرائط الجغرافيا
لهفي عليك يا وطنا ما بين جيب وجيب ضاع
لهفي عليك يا وطنا أضحى الغريب فيه رب الدار
لهفي عليك يا وطن
وليت شعري أين ومتى اللقاء ...
بعد قراءة المكتوب في الورقة سألت معلمتي : من كتب هذا ؟ فكانت إجابتها : إنك أنت من كتب . امنظر... أليس هذا خطك ؟
فقلت لها : إنه خطي ... ولكنه الآخر هو الذي أملى عليَّ بهذا ...
فقالت معلمتي : علي الذهاب الآن وسنلتقي على رصيف آخر.