كلنا يعلم ان هناك طريقتين للحوار الفكري فهناك طريقة المواجهة بالعنف والتي تعتمد على مواجهة الخصم بأشد الكلمات والاساليب واقساها حيث يركز المحاور على كل ما يساهم في ايلام واهانة واهدار كرامة الطرف الاخر دون مراعاة لمشاعره والاحاطة في ظروف عمله ودون المحافظة على الانسجام الحواري ، وهذا الاسلوب لا ينتج عنه الا مزيداً من العداوة والبغضاء والبعد عن كل الاجواء التي تقرب الافكار الايجابية والتي تساهم في الوصول الى نتائج ايجابية.
وبالمقابل هناك طريق الحوار الهادف بدون عنف وهي طريقة سلمية تعتمد تلاقح الافكار للوصول الى نتائج ترضي الطرفين وهي وسيلة من وسائل الحركة المنفتحة للوصول الى الاهداف المرجوة بعيداً عن المعاني الشريرة ، قال تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت.
والحسنة تعبر عن الاسلوب السلمي بالحوار ، بينما تعبر السيئة عن الاسلوب العنفي اذن الجدال والحوار بالتي هي احسن يتمثل باتباع افضل الاساليب والطرق وافضل اللغات اللفظية لاقناع الطرف الآخر بالفكرة المراد ايصالها ، والمعرفة تجعل كلا من المتحاورين اكثر وعياً لما يطرح ولما يستقبل من فكر ومواضيع ، وكيفية الخوض بالموضوع والانتهاء منه في وضوح للرؤية وهدوء الفكر وقوة الحجة ووداعة الكلمة.
كلنا يجد ان كثيراً من لغات الحوار سواء كان ذلك في العديد من وسائل الاعلام او الندوات وغيرها قد تدنت وخلت من الافكار التي من شأنها ان تعظم من ذلك الحوار بل وصل البعض فيها الى الشتائم والعنف اللفظي يهدف الى تصعيد الأمور والتحريض اكثر منه الى العقلانية او السلمية ، وهذا حوار لا يحقق الديمقراطية خاصة بين النخب السياسية والتي اصبحت تقدم الشتائم بطرق مبطنة ومختلفة بدلاً من الافكار التي تعطي حلولاً للازمات وحتى نبتعد عن السفه الاعلامي والمؤامرات التحتية .
ولم تعد المجالس المختلفة تفيد الحكومة في شيء سوى اما الرفض او القبول او النقد او المدح بعيداً عن الافكار التطويرية للقوانين والمشاريع ، بل اصبحت المجالس حلبات للمصارعة اللفظية والعنف واللغة المتدنية بعيداً عن الثقافة للغة الحوار الديمقراطي .
فنحن بحاجة الى انقلاب على الثقافة والمفاهيم التي وصلت اليها ، حيث ان البعض يجب ان يخضع الى اعادة تأهيل كي يتعلم كيف يتصرف وكيفية لغة الحوار عند الاختلاف مع الاخرين ، وليس توجيه الشتائم او الانقاص من الاخرين .
فعلينا ان لا نسقط الحوار باثارة مشاعر محاورك في نقاط الاختلاف وانما يجب التأكيد على نقاط الالتقاء او ما يسمى بالارضية المشتركة ، حتى تمهد الطريق لحوارات موضوعية منطقية ناجحة ، فالقلوب تتشتت بسبب الجدل الذي لا طائل منه ولا فائدة من ورائه والذي يهدف الى اظهار الخلل في كلامه فقط دون حلول.
hashemmajali_56@yahoo.com