تخيلوا لو تم تعميم مثل هذا العرف على الحكومات الأردنية؟ أعني أن يستقيل كل مسؤول حدث في مساحة مسؤولياته خطأ ما ولا علاقة قانونية مباشرة تربطه به؟ كم سيبقى منهم في الوظيفة؟ ولا أتحدث هنا عن الوزراء فقط..
الكلام سهل على من يقع خارج المسؤولية، وهو صعب جدا على من يصبح وزيرا في الحكومات الأردنية، التي تواجه مجتمعا كثير الانتقاد، ومن بين منتقديه من لم يسمع بموضوعية ولا بمنطق، يدلي بانتقاده ورأيه وكأنه مواطن سويسري، ويقفز عن مليون حقيقة تطالبه بالموضوعية والتوازن حين ينتقد أو يعتقد أو حين يصبح ديمقراطيا..
الحكومات في بلدنا ليست حزبية ولا حتى برلمانية، ومنذ صدور الإرادة الملكية بتشكيلها وقبل أن تحوز على ثقة النواب، يعارضها كل الشعب وينتقدها، سوى بعض المقربين لأعضائها الجدد، ثم يبدأ الأمر بالاستقرار حين يسير في قنواته الدستورية ويعرض على مجلس النواب لقول كلمته، فكيف نطلب من شخص مستقل أن يقدم استثناءً غير موضوعي، ويقدم استقالته لأسباب يقولون عنها «أخلاقية قال»!، نتمنى لو كنا نشهد تكتلات أو أحزاب سياسية، لديها جماهيرها التي تفهم الديمقراطية وتحتكم اليها وإلى أخلاقياتها الانتخابية، والتي يقدم فيها وزير حزبي استقالته ليحافظ على أعراف حزبية، ويضمن تثبيت موقف جميل لحزبه ولشخصه لا يستخدم ضدهما في أية مخاضة انتخابية قادمة..
لو قام وزير التربية والتعليم مثلا، بتقديم استقالته للأسباب «الأخلاقية» التي يوردها كثيرون، رغم أن لا تقصير من قبل الوزير او وزارته بشأن الحادث المؤلم الذي وقع الخميس الماضي بسبب السيول، لو قام المحافظة بمثل هذه الخطوة فسوف يعلن انتحارا سياسيا أبديا، ويثبت في ذاكرة الجميع بأنه وزير ارتكب ذنبا كبيرا وخان الأمانة وتمت إقالته أو طرده، وكلها تهم لا يستحقها الرجل والسبب موضوعي وبسيط ألا وهو (لم يرتكب الرجل خطأ واحدا يدفعه لمثل هذا الانتحار، الذي سيعتبره الناس تأكيدا وليس سمو خلق، أو يعتبرونه موقفا يبعث على احترام من يقوم به وبأنه رجل مسؤولية ويمكن إعادة توكيله بها مرة أخرى ..سيتم التعامل مع الرجل كمجرم وربما يقوم بعضهم برفع دعاوى قضائية ضده لو اختار «الانتحار سياسيا بدعاوى أخلاقية»).
لو فعلها هو أو أي وزير آخر في فريق الرزاز على خلفية الحادث المشؤوم، لأصبح مجرما بنظرنا جميعا، ولأصبحت الحكومة في وضع آخر، يزيد من فقدان الثقة بينها وبين الناس، ويقدم لخصومها أدلة جديدة على أنها استنفدت «فرصتها الأخيرة» لتقديم أداء يحظى بالثقة والرضى.
نكرر القول بأن حادثة البحر الميت المشؤومة فيها أخطاء اقترفها موظفون، لكنهم يطبقون تعليمات قديمة، تكيف معها كثيرون، لكن وزارة التربية كلها دورها ثانوي بناء على ما يجري، حيث يجري تسيير رحلات ولا يملك منظموها أية موافقات، فالخارجون عن القانون كثر، ولا يمكن مطالبة وزير بموقف أخلاقي، بناء على خطأ ارتكبه مستفيد او مستثمر.
الحديث سهل «ع المرتكي»؛ وقد يقوم الشخص لا سيما الصحفي، بدوره المهني أو حتى بمعارضة الحكومات وكتابة مقالات رأي ضدها، لكنه من الطبيعي حين يكون وزيرا أن يلتزم بالفريق الوزاري، ويحرص على تنفيذ خطط الحكومة والدفاع عنها، وكلنا نتذكر مثلا موقف د. عبدالله النسور، الذي لم يمنح ثقة لحكومة حين كان نائبا، ثم شكل حكومته بعدها، وذهب يطلب ثقة من مجلس النواب، وهذا أمر طبيعي فالمعارضات تعارض حتى تبعد من تعارضهم وتصبح هي صاحبة القرار، لينقلب المؤيد معارضا والمعارض مؤيدا، ومثل هذه الثقافة السياسية ديمقراطية ومهمة، لكنها غير متجذرة في تفكيرنا بسبب عدم وجود أحزاب وثقافات حزبية..
استقالة أي وزير من الحكومة، سيضعف فرصها في الاستمرار، ويعقد موقفها الذي ستقع فيه بعد اسبوعين تقريبا، حين تجري مناقشة قانون الضريبة، وهذا يعيدنا الى قرار الرزاز بالتعديل على حكومته قبل أسابيع، حيث كانت خطوة خارج السياق، ربما سيضطر لتكرارها بعد أسبوعين، لكن فرص نجاحه تتناقص أكثر ان قام بإقالة وزراء على خلفية الحادثة المشؤومة، فدعونا ننتظر قرارات اللجان ونتائج تحقيقاتها ثم يكون لكل حادثة حديث.
الدستور