مدار الساعة - بيروت - ابراهيم الزعبي
يختزن الأردنيون في ذاكرتهم الكثير من الحكايا عن بلاد عشقوها، فكانت هي الرئة التي يتنفسون من خلالها عبق الياسمين الدمشقي المتفتح على اسوار الشام .. تلك الرائحة العالقة في الذاكرة.. رائحة صندوق العروس المجهز من سوق الحميدية ... تحمل أصحابها الى فضاءات أرحب من العشق الأزلي للشام وأهلها.
نعم ... لهذا المكان السرمدي ذكريات لا يمكن انتزاعها من أرشيف الطفولة.. ستبقى ترافقنا حتى نهاية العمر.. ولا تنفك تخرج بين الحين والآخر لتصنع ابتسامة ترتسم على الثغر والقلب مهما اشتد وقع الحياة وتعقدت أحوالها.. ستظل تلك الكلمات " يا الله ع الشام" محفورة في الوجدان الذي كان على يقين بعودة الروح الى الجسد المثخن بالجراح.
ما ان تطأ قدماك أرض الياسمين ... لتصيبك الحيرة من أين تبدأ رحلتك ومشوار العمر.. فتقف على حواف الروح ... حواف بردى .. لتنشد شوقي ..سلام من صبا بردى أرق ... ودمع لا يكفكف يا دمشق ...نعم ها نحن قد عدنا يا دمشق .. عدنا وعمان تقرؤك السلام .. وهل مثل سلام عمان سلام ؟! .
أن تجول في سوق الحميدية في قلب العاصمة دمشق ليلاً فكأنك زرت الشام كلها ، فهذا الكيلومتر الواحد يجمع بألفته المعهودة مزيجاً من تراث بلاد الشام .
من “مطعم علي بابا” الى “ ابوكمال” والكباب الحلبي الى الحلويات الدمشقية على انواعها في " الميدان" مروراً بالسروال الشامي والعباءة المطرزة بالياسمين الدمشقي تختصر حضارة تاريخ عتيق في شارع واحد يجمع في لياليه نموذجاً لإلفته ، تترجمها دندنات عودٍ حلبيّ، وبين هذا الكوكتيل المتداخل يستوقفك مشهدُ راقص على أنغام " العراضة الشامية" بإسلوب شبابي على أطراف الرصيف متحدياً بذلك كل أصناف الإرهاب .
أمام هذه المشاهد تجد الرواد من كل البلاد منهم من قصد الشارع ليعيش ذكرى بلاده بمطاعمها ومنهم من قصده ليتعرف أكثر على تقاليد لبلاد مجاورة لم يقصدها من قبل ،وعلى أنغام “مشتقلك يا نور عيوني حتى نعيد الزمن الأول “تذرف عيون رواد المطاعم في بلودان والزبداني فرحا على عودة الروح الى الجسد.
وانت مغادر دمشق .. وتتأمل غروب الشمس خلف طودها المبارك ...هنا حيث يقف جبل قاسيون رمزاً للشموخ الأزلي .. فهو الطود الذي ذاع صيته من بين إخوته بعلو قامته وحسن طلعته.. من جهته بزغ النور الأول، فاستقبلته عروس الزبداني بالزهور .. وعلى جبهته انعكست صفرة الشمس تواعد سهلها في كل يوم....وعلى كتفه أنشد الشعراء على مر العصور.. وردد مظفر النواب يوما... هل صحيح ان زهرا عبثت به الأنواء في الصحراء ظل رغم الريح أخضر؟
Ibrahim.z1965@gmail.com