أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات برلمانيات جامعات وفيات أحزاب وظائف للأردنيين رياضة مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

معنى السياسة عند الأردنيين

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

في اليوم الذي صدرت فيه صحيفة النهار اللبنانية العريقة بصفحات بيضاء احتجاجا على تأخر تشكيل حكومة لبنانية منذ خمسة أشهر ومن أجل لفت انتباه النخب والناس، أعلن هنا في عمان عن التعديل الحكومي الأول على حكومة الدكتور عمر الرزاز بعد نحو ثلاثة أشهر فقط من تشكلها، قبل ذلك مر نحو عامين ولبنان بدون رئيس نتيجة عدم التوافق بين سلطات المحاصصة السياسية.

الحالة اللبنانية شاذة في الخريطة السياسية العالمية ومع هذا لا ينشغل الناس هناك كثيرا بمن يأتي ويذهب وقد يبقوا سنين بدون رئيس وأشهر بدون حكومة، والحالة الأردنية هي الأخرى شاذة حيث تذهب الحكومة وتأتي وتخضع للتعديل وإعادة التشكيل بلمح البصر وسط ضجيج هائل، وينشغل الناس فيها وتقوم الدنيا ولا تقعد، لسبب بسيط أن المجتمع هناك أقوى من الدولة، والدولة هنا أقوى من المجتمع في حين تحاول الدولة هنا أن تعيد إنتاج القوة بمفهومها السياسي في كل مرة بإعادة فرط المسبحة وتجميعها من جديد لتلافي الشعور العام بأن قوتها تتراجع.

معنى السياسة عند الأردنيين ما يزال مشوشا وغير واضح، وأكثر ما ينشغل به الناس في بلادنا تكوين النخب وخصائصها وآليات تصعيدها وكيف تعمل ماكنة الدولة على خلق التوازن بين الجهات والجذور والأعراق والمصالح، فيما يكاد يغيب دور القواعد الشعبية والرأي العام في متابعة كفاءة المؤسسات وتتبع مخرجاتها والأداء العام. فيما تشير بعض النقاشات في المجال العام أن معنى الكفاءة بحد ذاته غير متبلور لدى فئات واسعة، ما يقودنا إلى أن مفهوم الرأي العام الأردني على الأرجح وفي الكثير من المفاصل لا يتبلور أو بأدق ما يمكن أن يوصف أنه لا يمكن الإمساك به أو قياسه بالأدوات التقليدية ولا طبعا من خلال الأقلية الصارخة على الشبكات الاجتماعية.

للأسف ما يزال معنى السياسة لدينا يدور حول الأشخاص، وليس حول المؤسسات والبرامج وآليات تطوير السياسات وتقييمها والقدرة على بناء التراكم. لذا، وعلى مدى عقود تراكمت غشاوة على عيون الناس أفقدتهم القدرة على رؤية هشاشة التراكم في البناء المؤسسي وفي دور القانون وفي قوة الردع العام وفي حالة الامتثال، وهذا من أخطر ما يحدث لنا في عراك النخب بعضها ببعض والعراك حول النخب.

ولعل هذا المدخل يوضح لنا زاوية من زوايا الإجابة عن سؤال مهم، عن صعوبة تشكل الرأي العام الأردني، وعن آلية التشوية التي تلاحقه ما يعني أنه يولد رأيا عاما معتلا وغير متماسك في الكثير من الأحيان ويسهل اختراقه أو تحويله إلى مجرد حالة انفعالية يسهل امتصاصها ؛ فالرأي العام ظاهرة اجتماعية سياسية ذات قدرة اتصالية عالية، وكما هي مرتبطة بدرجة الوعي ومستوى الحريات فإنها ترتبط بقدرة الناس على الكلام أي اقتراح المناقشات وتصعيدها، وهنا تبدو العلة في القوى التي تحاول اصطياد الرأي العام وتعمل على إعادة تصنيعه.

جوهر الديمقراطية بمفهومها التاريخي والاجتماعي اقتصادي، وهيكلها العظيم يبنى بالاقتصاد والسياسات، وليست السياسة سوى منهجية لإدارة الخيارات الاقتصادية؛ أي خيارات المجتمع في برامج الخدمات والبنى التحتية والتعليم والصحة وإدارة الأسواق وإدارة العمل وغير ذلك، وعبر التاريخ الحديث يتصارع السياسيون على أفضل البرامج الاقتصادية التي توفر حلولا لمشاكل المجتمعات، ما يؤكد أن الديمقراطية ليست نظاما سياسيا صرفا، بل مجرد آلية لتحقيق مصالح الناس، وفي الغالب هي مصالح اقتصادية اجتماعية ترتبط بالعيش والعدل والكرامة، وإذا ما وجد الناس أن حقوقهم في العيش والحياة الكريمة قد اهتزت فحتما سوف يجدون أنفسهم أمام لحظة الحقيقة أي التساؤل عن المنهجية أو الطريقة التي تدار بها الدولة والمؤسسات.

الغد

مدار الساعة ـ