لا استعجال أردنياً لفتح معبر جابر/نصيب مع سوريا، هذا ما يُستشف من لهجة الاستمهال التي يتحدث بها مسؤولون أردنيون، تارة بالقول إنهم لم يتلقوا طلباً سورياً رسمياً لفتح المعبر، وتارة ثانية بتأكيد الحاجة لمزيد من الدراسة والبحث في الظروف السياسية والأمنية واللوجستية التي يجب تهيئتها قبل اتخاذ القرار بإحياء أحد أهم المعابر الحدودية السورية البرية، بعد سنوات خمس من الموات.
هذه اللهجة تختلف، عندما يتناول رجال أعمال واقتصاديون وأصحاب شاحنات أردنيون قضية المعبر في أحاديثهم وتصريحاتهم ... هنا يبدو الاستعجال، الذي تمليه المصلحة المباشرة والضاغطة، سيدة الموقف ... ولعل في وجود ما يقرب من مائتي رجل أعمال في دمشق حالياً للمشاركة في فعاليات النسخة الستين من معرض دمشق الدولي، ما يكشف عن تباين الأولويات والحسابات، واختلاف اللهجة بين خطاب الحكومة وخطاب قطاع الأعمال.
لكن المفاجئ في الأمر، أن الجانب السوري بدوره، لا يستعجل فتح المعبر، إذ يتضح من تصريحات لوزير الاقتصاد السوري سامر الخليل أنه» لا يرى في الوقت الحالي ما يدعو لإعادة فتح معبر نصيب على الحدود مع الأردن»، الخليل الذي كان يتحدث لدى استقباله نظيره اللبناني حسين الحاج حسن (عن حزب الله) في دمشق قال: «في دراستنا لفتح معبر نصيب، وجدنا أن لا قيمة كبيرة حاليا بالنسبة للمنتج السوري، والموضوع بحاجة لدراسة أكبر».
إذن، يبدو القرار بفتح المعبر، مرجأً لمزيد من الدراسة والتدقيق والتمحيص، ومن قبل الجانبين، مع أن المبررات التي يعرضها الجانبان، لا تبدو مقنعة على الإطلاق، والأرجح أن ثمة «عوائق» و»محاذير» سياسية بالأساس تقف خلف هذا الاستمهال والتريث، بخلاف ما يتردد عن دوافع اقتصادية ولوجستية.
بالنسبة لسوريا، يبدو أن فتح المعبر، يجب أن يتم في سياق «رزمة» من إجراءات التطبيع السياسية والتفاهمات الأمنية ... لا مشكلة للأردن في حيال التفاهمات والترتيبات الأمنية، وقنوات التواصل في هذا المجال مفتوحة على أية حال ... لكن الأردن ربما تكون لديه محاذير وتحسبات سياسية، ترتبط بانفتاحه على دمشق.
أضف إلى ذلك، أن «قرون الاستشعار» الأردنية، تلاحظ انحداراً في مستوى التعاون الأمريكي – الروسي في سوريا وعليها، بل أن التقديرات في عمان، ربما تذهب باتجاه مزيدٍ من الصدام بين الجانبين، سيما بعد أن تبددت مفاعيل «قمة هلسنكي»، ومع ارتفاع حدة التوترات والاتهامات المتبادلة بين الجانبين، وما يصاحبها من تحشيد عسكري متبادل على الأرض وفي مياه المتوسط.
في مثل هذه المناخات، يبدو أن لبنان وحده هو الذي يستعجل فتح المعبر، ولعله من اللافت أن الوزير اللبناني الذي طرح المسألة على الجانب السوري، ينتمي إلى حزب الله، ويبدو أنه يفعل ذلك تحت ضغط الضائقة الاقتصادية، سيما تلك التي تعتصر المصدرين والمزارعين اللبنانيين، الذين يرون في المعبر، طريقاً مختصراً للأسواق الخليجية.
وإن صحت الأنباء حول معالم الصفقة التركية – الروسية حول إدلب، تتضمن من ضمن ما تتضمن، فتح عدد من المعابر الدولية بين تركيا وسوريا، فليس من المستبعد أن تتحول تركيا، وللسبب ذاته، إلى «صاحبة مصلحة» في فتح معبر جابر/نصيب، ذلك أن لتركيا تجارة مع الخليج والعراق والمشرق، تنتظر بفارغ الصبر، فتح المعبر، للتخلص من الكلف الإضافية التي تترتب على البحث عن منافذ بديلة لوصول المنتج التركي إلى أسواق المنطقة.
غريب وعجيب، كيف تحتل قضية المعبر الحدودي مكانة أقل لدى الدولتين المعنيتين من تلك المكانة التي تحتلها لدى دول أخرى أبعد في الجغرافيا، وكلتاهما تفضلان تقديم الاقتصاد على السياسة، وتمتلكان هامشاً أوسع للمناورة، وليست لديهما الرغبة في توظيف قضية المعبر لتحقيق أغراض سياسية كما يستشم من «التريث» السوري.
الدستور