أرسلت الحكومة مشروع القانون المعدّل لضريبة الدخل إلى مجلس النواب، الذي من المفترض أن يناقشها في الدورة الاستثنائية المتوقعة، بعد شهر رمضان الفضيل، فسيكون المشروع بين يدي النواب، ومن الضروري ألا يمرّ إلاّ بتدشين حالة عميقة من التوافق الوطني حوله، لأنّه مفترق طرق حقيقي في المرحلة التاريخية الراهنة.
صحيح أنّ المسبب الحقيقي للتعديلات هو شروط صندوق النقد الدولي، لكن علينا ألا ننسى أنّ هذا القانون هو أحد أهم القوانين الناظمة لحياتنا العامة ولعلاقة المواطنين بالدولة، ولأسس المعادلة الاقتصادية-الاجتماعية في البلاد، وكان دوماً -أي موضوع ضريبة الدخل- جزءاً من خطاب الأحزاب والقوى السياسية ذات الأبعاد الأيديولوجية المتباينة، فهو يدخل في صميم مفهوم العدالة الاجتماعية والفجوة الطبقية والأزمة المالية، وحتى الأزمة السياسية المترتبة على الأوضاع الاقتصادية الاجتماعية.
إذاً، علينا فعلاً أن نخرج -حكومةً ونواباً ونقابات وقوى اجتماعية- من محدودية "ضغوط" صندوق النقد، ومن حالة التجاذب الكبيرة التي تحدث حالياً، وعملية البيانات والرسائل، لنفكّر فيه بوصفه "مشروعاً" مستقبلياً يترتب عليه العديد من الأمور في علاقة الدولة بالمجتمع والأفراد، ومن الضروري أن نقنّن الحوار وندير النقاش بصورة منهجية منظّمة معمّقة، ولا نقع في شرك البيانات والخطابات العرمرمية من قبل الرافضية ومحاولات التسويق القسرية من قبل الفريق الاقتصادي، فهذا وذاك سيؤذي الإصلاحات الضريبية المطلوبة، ويعزّز من الأزمة السياسية، وينقلب الأمر إلى أزمة أخرى ندخل فيها نتيجة تداعيات الموضوع.
الآن أمامنا مشروع قانون معدّل، وهنالك صراع حقيقي حول بنوده ومواقف مؤيّدة ومعارضة، وحجج من كلا الطرفين، جعلت نسبة كبيرة من المواطنين يشعرون بالارتباك وعدم القدرة على تحديد وتأطير موقف معيّن، فيما فعلاً هذا القانون يخدم العدالة الاجتماعية ومبدأ الضريبة التصاعدية، كما تقول الحكومة، وهو بمثابة إعلان حرب على المتهرّبين ضريبياً، عبر خطوات التجريم في العقوبات أولاً، وتشديد الرقابة عليهم ثانياً؟ وهو أيضاً تحقيق قدر أكبر من المنطق في التوزيع الضريبي، وبالرغم من توسيع طبقة الدافعين، فهو ما يزال لن يمسّ قرابة 90 % من المواطنين؟
أم أنّ القانون، كما يرى المعارضون سيعزز الأزمة الاقتصادية، عبر تخويف المستثمرين؟ ويعزز من حالة شبه الركود المالي الراهنة؟ ولن يأتي بنتائج بما أنّ هنالك مساحات فارغة كبيرة في عملية التطبيق لن تسمح بإيجاد آليات حقيقية لمكافحة التهرب، بل ربما يعزز من الفساد الإداري في الضريبة؟ والأخطر من ذلك أنّ المتضرر الرئيس منه -في نهاية اليوم- هو الطبقة الوسطى، التي ستزيد الأعباء المباشرة وغير المباشرة عليها، نتيجة إلغاء إعفاءات السكن والتعليم ونتيجة الزيادة المتوقعة على فوائد البنوك، وتعزيز حالة شبه الركود وربما البطالة؟!
هذه الحجج التي يستند إليها كلا الرأيين المؤيد والمعارض للتعديلات، وإذا لاحظنا فإنّنا نتحدث عن أكثر من محور ومجال، وليس عن نقطة واحدة معينة فقط، وإذا أردنا أن نؤطر الحوار بصورة منهجية فهنالك 5 نقاط نقاشية في المشروع: توسيع قاعدة الدافعين، التهرب الضريبي، القطاعات: مثل البنوك والزراعة، توقيت القانون، الآلية التي تعتمدها الحكومة في إقراره وتمريره.
سأعرض في مقالة غد بعضاً من "المفاتيح" في عملية تأطير النقاش وعقلنته، وتعريف وتحديد نقاط الاختلاف والاتفاق الرئيسة.
الغد