أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

العتوم يكتب: تمويل مقاولـي الانشاءات كسياسة مالية ايجابيّة وفعّالـة

مدار الساعة,مقالات,وزارة المالية,وزارة النقل,وزارة التخطيط,أمانة عمان الكبرى
مدار الساعة ـ
حجم الخط

د. راضي العتــوم/ خبيــر اقتصــادي / الرياض

في الواقع، تأتي مقالتي هذه بعد متابعة لمطالبة المقالين الأردنيين بصرف مستحقاتهم بعد انتظار طويل للحكومة ممثلة بوزارة المالية، وبهذا الخصوص، كنت قد شاركت الرأي بالسياسة المالية الواجبة تجاه تمويل قطاع الانشاءات الذي تديره الحكومة خاصة ابّان الأزمة المالية العالمية نهاية عام 2008، حيث كنت مستشارا ماليا بأحد أكبر المؤسسات الحكومية في دبــي، كما جرى تقديم ذلك بداية ظهور تباطؤ صرف المستحقات في السعودية قبل عام ونصف تقريبا. وحتى أكون أكثر صراحة، فقد قدمت المشورة والنصيحة بعد اعداد دراسة متكاملة بعنوان " الانفاق العام على قطاع الانشـــاءات: نحـو استراتيجيّة اقتصاديــة كليّــة".

تولي دول العالم المتقدم الكثير من العناية والاهتمام بقطاع الانشاءات؛ ذلك كونه قطاعا من القطاعات الرائدة والقائدة للاقتصاد، حيث ينظر الى قطاع الانشاءات على أنه قطاع استراتيجي وحيوي، فأثره يمتد بروابط أمامية وخلفيّة لمعظم القطاعات الاقتصادية؛ ولهذا، نجد أثره أكبر على النمو الاقتصادي، فنموه يعني نمو الاقتصاد بنسبة أكبر، وتراجعه يعني تراجع الاقتصاد بنسبة أكبر، لذلك ينبغي الوقوف عنده، والاهتمام به بالدرجة التي يستحق.

ولا شكّ بأن الاهتمام بآلية التعامل مع مقاولي قطاع الانشاءات، وخاصة بمرحلة الركود أو التباطؤ في الاقتصاد، وبمرحلة يشاع فيها التلكؤ بتنفيذ الانشاءات المتعاقد عليها، وخاصة الانشاءات العامة من طرق، وجسور، وقطارات وسكك حديدة، وأبنية عامة حكومية وشبه حكومية يعدّ أمرا غاية في الحيوية والأهمية لتيسير الأنشطة الاقتصادية، ودفعها للتحرّك للحفاظ على الحدّ الأدنى من الزخم التنموي اللازم للابتعاد عن الحافّة ( Edge حتى لا يهوي الاقتصاد ويتراجع ).

أولا: أثــر الإنـفـاق العــام على التنمية الاقتصاديــة

تعـدّ التنمية الاقتصادية المستدامة الهدف الأساس الذي تسعى الدول لتحقيقه، ويأتي دور الدولة كراعية ومنظّمة للسياسات التنموية بكافة أطرها، وتشريعاتها، ونظم عملها، وبرامجها، وخططها الاستراتيجية، وكذلك في الاشراف على خططها التنفيذية للقطاعين العام والخاص على السواء.

ولا شكّ بأن الادارة الاقتصادية الحرّة تنطلق من فرضيّة أساس وهي أن آلية السوق لا يمكنها وحدها لعب كافة الوظائف المطلوبة لتحقيق التوزيع الكفوء للموارد، وتفعيل استغلال الطاقات البشرية، والماديّة، وتوجيهها نحو التنمية الوطنية. لذا فهناك أسباب للحاجة الى القطاع العام تتمثل بالتحفيز والمنافسة، والتأكد من توصيل السلع والخدمات، وتحمّل القطاع العام عواقب الآثار الخارجية كالتلوث وغيره، فالقطاع العام قادر على توزين المنافع والتكاليف في المستقبل، ودرء الضرر للآثار السلبية، وتوزيع الآثار الإيجابية على مقاصدها. اضافة الى تعزيز تطبيق التشريعات، وإعادة توزيع الدخل والثروة فيما بين فئات المجتمع بشكلٍ عادلٍ، وتعزيز الاهداف الاقتصادية الكلّية المتمثلة بتحقيق مستوى عالٍ من التشغيل، ومعّدلٍ متدنٍ من التضخم، ومن البطالة، ومعدلٍ مرغوبٍ للنمو الاقتصادي ... الخ.

ولذلك، وللقيام بهذه الادوار تقوم الحكومات بالانفاق كجزء أساس من تطبيق السياسة المالية؛ ذلك أن الانفاقَ أداة هامة في تحريك النشاط الاقتصادي وبخاصة في أوقات الركود كسياسة توسعية ، وكأداة للحدّ من توسّعه في حالات الازدهار والفورة الاقتصادية. وبتحليلِ واقعِ الإنفاق للموازنة العامة في الاردن وغيرها من الدول، فانه يمكنُ تلخيصُ مقاصد الإنفاق العام بالآتي:

 تغطية وتسديد الرواتب والاجور لموظفي الحكومة بهدف دعم إستمرار عمل جهاز الدولة المدني والعسكري، ودفع أو تسديد مستحقات التقاعد والتأمينات الاجتماعية، والوفاء بالتزاماتها بتعويض ودعم الفئات متدنية الدخل كمدفوعات تحويلية.

 تسديد مستحقات القروض الخارجية والداخلية.

 دعم الامن والدفاع للحفاظ على استقرار مؤسسات الدولة العامة والخاصة.

 دعم المؤسسات العامة المختلفة، ودعم القطاع العائلي بصورة غير مباشرة للحفاظ على التوازن التنموي، وتشجيع الانتاج بقطاعات معينة، وتشغيل الشباب العاطل عن العمل، وهذه تعدّ من جانب الموازنة العامة للدولة مدفوعات تحويلية.

ويتبلورُ الأثرُ المباشرُ للانفاق العام على النمو الاقتصادي من خلال ما يُعرف بالمضاعف في الاقتصاد، وتحديدا مضاعف الانفاق العام. ويوضحُ مفهومُ المضاعفُ العلاقة فيما بين الانفاق المستقل والدخل، حيث تستمر هذه العلاقة في حلقات متتابعة مُسببة زيادة في الدخل قد تصل الى أضعاف الزيادة الأولية في الانفاق، وهو عبارة عن التغير في الدخل القومي الناجم عن التغير في الانفاق المستقل العام والخاص على حدّ سواء.

من المعروف أن الانفاق العام يساهم في تنشيط الطلب الكلي، وبالتالي يعدُّ جزءً هاماً من تيار الدخل، وهذا له دور فاعل في زيادة الدخل المتولد من ذلك الانفاق بحكم عمل المضاعف. كما أن للنشاط الحكومي قيمة مضُافة حيويــة وهامة تساهم في الناتج المحلي الاجمالي.

لذلك، يعني الانفاق العام أساسا بتحليل أركان الموازنة العامة للدولة، ومكوناتها، والسياسات المشتقة منها. ويرى الاقتصاديون أن الانفاق العام للدولة يزداد جرّاء العوامل التالية: العوامل السكانية، وتنامي الشؤون العسكرية والأمنيـــة داخل الدولة، وفي المنطقة والأقليــم، وتزايد التضخم بارتفاع تكاليف السلع والخدمات، والتغيرات التكنولوجية، وزيادة انتاجية العامل، ونمو حجم الانتاج، وزيادة ضرائب الدخل، وزيادة الاستهلاك، والتأثيرات الاجتماعية والسياسية، وغيرها.

كما يمكن اضافة العوامل التالية لما سبق، من وجهة نظري، لأثرها الواقعي والهام على تنامي الانفاق العام، وهي:

 التخلّف التنموي الاجتماعي، والاقتصادي، والإداري.

 النظرة السلبية لاقتصاد الدولة على أنه اقتصاد ريعي.

 عدم السعي للعمل كقيمة انسانية، والاتكال على الدولة وعلى الغير للمساعدة.

 تزايد البطالة، وبالتالي المدفوعات التعويضية (التحويلية).

 تفشّي الفساد المالي والاداري.

 ضعف البنية التعليمية والثقافية في المراحل التعليمية.

 التأثر بالتلاعب بالاقتصاد العالمي من خلال الاحتكار للسلع المتداولة عالميا.

 انتاج وافتعال الأزمات المالية العالمية، وتصديرها للدول النامية وغيرها، وهذه من أهم الأسباب وراء زيادة أعباء الانفاق العم، وتزايد عجز الموازن العامة.

ثانيا: أهميــة قـطاع الانشاءات في الناتج المحلي الاجمالي والتجارب العالمية المثلى لقطاع الانشاءات مساهمة واضحة في توليد القيمة المضافة للاقتصاد، وتكون مساهمته أكثر في اقتصادات الدول المتقدمة أكثر منها لغيرها، فقد وجدت دراسة اندونسية أن مساهمة قطاع الانشاءات في الدول المتقدمة تتراوح ما بين 7-10% من الناتج المحلي الاجمالي، في حين مساهمته بالاقتصاديات النامية تتراوح ما بين 3-6% من الناتج المحلي الاجمالي (Agung, 2006).

تولي الدول المتقدمة قطاع الانشاءات أهمية كبرى نظرا للدور الاستراتيجي لهذا القطاع في التنمية؛ إذ يعـدّ المرتكز الأساس للانطلاقة التنموية لكافة القطاعات الاقتصادية الأخرى لروابطه الأمامية والخلفية القوية مع معظم القطاعات؛ أي أنه قطاعا من القطاعات الرائدة في الاقتصاد، وبالتالي تسعى سياسات الانفاق العام دائما الى منحة أولوية كبيرة.

وفي واقع الأمر، فان للقطاع أهمية وخطورة في آن معا، فأهميته تكمن عند بدئه بالنمو والانتعاش، حيث يقود باقي القطاعات الى النمو ، وبالتالي ينمو الاقتصاد بمعدّل أعلى من معدل نمو هذا القطاع. أما جانب الخطورة، فيكمن في تراجعه؛ فعند بطء نموه، أو تراجعه فان القطاعات الأخرى ستتبعه في تراجعات متواصلة، وبالتالي يتراجع الاقتصاد بمعدلات أعلى من معدل تراجعه، وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية لقطاع الانشاءات في الدولة.

وتؤكد العديد من الدراسات على أن للقطاع روابط أمامية وخلفية قوية مع قطاعات الصناعة التحويلية، وينعكس ذلك بترابطه مع حلقات ودوائر الأعمال، ففي دراسة لجنوب أفريقيا أكدّت على أن قطاع الانشاءات يميل الى الانحراف الكبير نسبة الى التغير بمجمل القيمة المضافة للاقتصاد، فعنــد ارتفاع القيمة المضافة بالاقتصاد بنسبة 1%، فان القيمة المضافة بقطاع الانشاءات سوف ترتفع بنسبة تصل الى 2.5%؛ أي أن نموه سيكون أكثر من ضعف نمو الاقتصاد ككل (eCSECC, 2010,).

أما في الأردن، فيساهم قطاع الانشاءات بحوالي 5% من الناتج المحلي الاجمالي، ويوظّف ما يزيد على 86 ألف فرصة عمل والتي تشكل نسبة 6% من العاملين، أما قيمته وحجمة بالاستثمار فيزيد على ثلثي حجم الاستثمار في الاقتصاد.

 أما في أوضاع الأزمات المالية، وأوضاع الركود الاقتصادي، فإنّ الأمر يكون أكثر خطورة، فبدل ان يواجه الاقتصاد حالة من الركود والتباطؤ البسيط، سيواجه حالة من الكساد والتدهور الاقتصادي، وهذه مرحلة صعبة وغاية في الخطورة، ينبغي تجنّبها والتصرّف بحصافة ودقة حيالها.

 أن تتبنّــى الحكومة استراتيجية خاصة لقطاع الانشاءات، يقوم عليها مختصون وذوي كفاءة عالية من ذوي الخبرة في المجالات المتكاملة: المهندسون بكافة اختصاصاتهم، والمسّاحون، والجيولوجيون، والمتخصصون المالييون، والاقتصاديون، وغيرهم من الفنيين المهرة يعدّ أمرا غاية في الحيوية والادراك.

 التأكيد على الايجابيات الكبيرة لاتباع المنهج الاقتصادي الكينزي في التعامل مع حالة التباطؤ الاقتصادي؛ وهذا يكون بعدم توقف الحكومة عن الاستمرار ببرامجها التنموية، وخاصة مشاريع البنية التحتية، والأبنية بأنواعها السكنية وغير السكنية، والاستمرار بالأنشطة والأعمال الاستثمارية لتحريك دفة الاقتصاد؛ وهذا يعني مواصلة تنفيذ مشروعات البنية التحتية من الانشاءات، وعدم التأخير في الالتزامات المتعاقد عليها، ومواصلة دعم وتعزيز المشروعات الاستثمارية للقطاعات الاقتصادية كافة.

 وخلاصة القول، فان السياسة المالية المذكورة ؛ والتي تتوافق والسياسة الكينزية للإنفاق العام قد اثبتت جدواها للكثير من دول العالم الغربي التي طبقتها ابـّان الأزمات المالية، واوضاع الركود والتباطؤ الاقتصادي حتى تخفف من آثار تلك الأزمات ، وتحاول عدم وصول الاقتصاد الى مرحلة الكساد، وهذا ما نوصي به لاتباعه من طرف وزارة المالية، والوزارات المعنية بالانشاءات مثل: وزارة الاسكان ، ووزارة النقل، ووزارة التخطيط ، وكذلك أمانة عمّان الكبرى.

وأخيرا، ومن وجهة نظر اقتصادية بحتة، بعيدة عن أي طرف ، فإن صرف مستحقات مقاولي الانشاءات ينبغي أن لا يكون موضع تردد وتأخر، أو مماطلة، وأن يكون وفقا لما تمّ التعاقد عليه من حيث الفترات الزمنية للدفع حسب مراحل الانجاز للمشروع.

مدار الساعة ـ