بالرغم من التأييد التاريخي الأميركي للكيان الاسرائيلي ودعمه اللامحدود للعدوان الاسرائيلي وتوفيره الغطاء الأمني والسياسي لتعدياته على الارض والانسان، إلا أن حجم الالتزام والتحيز والتأييد الذي تقوم به الولايات المتحدة لم يصل لمستوى الوضوح والمجاهرة والتحدي الذي ظهر عليه في السادس من (كانون الأول) ديسمبر من هذا العام.
على مسامع المجتمع الدولي وكافة تنظيماته وقواه وأمام كاميرات التلفزة العالمية وبروح لا تخلو من الغطرسة والتحدي وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرارا يقضي بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، ووجّه خارجية بلاده بنقل السفارة الأميركية لها متجاهلا قرارات الشرعية الدولية المبرمة بين الطرفين (الفلسطيني والاسرائيلي) وضاربا بعرض الحائط مشاعر أكثر من مليار ونصف المليار مسلم حول العالم، وإجماع أكثر من 57 دولة اسلامية داعمة للمبادرة العربية المطروحة منذ العام 2002 كأرضية لحل تعترف بموجبه المجموعة باسرائيل مقابل الإقرار بإقامة دولة فلسطينية على الاراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967.
نجاح الجهود العربية والاسلامية المدعومة من الاتحاد الاوروبي ودول عدم الانجياز اضافة الى روسيا والصين في إقناع غالبية دول العالم بخطورة القرار الأميركي على مستقبل الامن والسلم العالميين وتصويت 128 دولة ضد قرار ترامب باعتباره منافيا للشرعية الدولية يضع العرب والمسلمين والدول الداعمة للقرار في مواجهة مباشرة مع الادارة الأميركية التي استخدمت الكثير من الوعيد والتهديد لكل من يعارض إرادتها.
القرار الذي شكل انتصارا معنويا للفلسطينيين وتأكيدا دوليا على دعم حقوقهم المشروعة لا يغير كثيرا من الحقائق التي أحدثها الاحتلال على الارض وسعى لتكريسها عبر ما يزيد على نصف قرن. لكنه يضع الفلسطينيين ومِن ورائهم العرب في موقف جديد يتطلب مراجعة جذرية للواقع والأخطاء وبناء استراتيجية عمل جديدة يحشد لها التأييد العالمي وتعمل على استثمار المواقف الإيجابية والتأييد الذي أبدته دول العالم خلال الايام القليلة الماضية.
لقد نجح العالم العربي الذي أبدى التزاما عميقا بدعم عروبة القدس في تبديد كل الشكوك التي حاول البعض إثارتها قبيل التصويت، فلم تتردد سورية واليمن اللتان يعاني شعباهما من ويلات الصراع في الوقوف الى جانب قضية أمتهما الاولى مذكرين شعوب وقيادات الامة بان الخير ما يزال الى يوم الدين. كما اسهمت القدس في جمع المسلمين شيعة وسنة تحت مظلة منظمة التعاون الاسلامي غير آبهين للخلافات التاريحية بين الاعضاء او الاصطفافات الجديدة التي ولّدها الاعداء تمهيدا لابتلاع الارض وتغيير هويتها.
الفلسطينيون اليوم يمتلكون قوة الحق لكنهم يحتاجون الى تقويم تجاربهم والانفتاح على خيارات جديدة بعد ان يوحدوا صفوفهم ويتجاوزوا نزاعاتهم. ان افضل ما يمكن ان تقوم به القيادة الفلسطينية ومِن ورائها الشعب الفلسطيني يتمثل في جعل الاحتلال مكلفا وأن لا يسمحوا للغير بأن يبتزهم أو يسلب إرادتهم؛ فنجاحهم سيدفع العرب لمساندتهم.
ان من غير المقبول العودة الى عملية تفاوضية لم تفلح إلا في توفير هدنة للعدو ليتمكن من قضم الأراضي وتوسيع الاستيطان وإعفاء نفسه من القيام بمسؤولياته كمحتل. القرارات الدولية والاعتراف الدولي مهمان لكن ذلك لا يكفي إذا لم يشعر الاحتلال بالمقاومة التي تدفعه للاستماع للمطالب والتفكير بالحل والاقتناع بقدرة الشعب على الفعل.
التوقف عند قرار الجمعية العامة وقائمة القرارات الدولية لا ولن يغير من واقع الاحتلال ولا الاستيطان؛ فالعالم يمكن أن يقف إلى جانب الشعب وهو يطالب بحقوقه مستخدما كل الخيارات، عندها سيكون العرب شعوبا وقادة خلف الفلسطينيين.
في اليمن وسورية ومصر وتونس خرجت الجماهير تطالب بالتغيير.. الأوْلى أن يخرج إخوتنا في فلسطين المحتلة ليطالبوا بالتغيير وزوال الاحتلال لا أن يتفاوضوا على تخفيض عدد الحواجز وعدد تصاريح الزيارة.
الغد