حلمي الاسمر
-1-
لوهلة حسبنا أن الشارع العربي نام، أو حتى مات، فلم يعد ينبض بالغضب، وجاء الثور الهائج؛ ليصب النار على جمرة مختبئة تحت الرماد، فتحركت الملايين صادحة بحب فلسطين والقدس والأقصى، ولعل تلك ابلغ رسالة ممكنة يمكن إرسالها «لمن يهمه الأمر» في ظل الظروف العربية المحبطة، وهي رسالة بليغة ولا تقل في أهميتها عن الرسالة التي بعث بها مجنون البيت الأبيض!
رسائل الشارع على تواضع أثرها على الأرض، إلا أنها ضرورية لمن يرصد نبض قلوب الناس، والعروق الحساسة في أرواحهم، وأجمل تلك الرسائل ما كان من نوع رسائل الأردن، حيث عزف الجميع أوركسترا واحدة، من أعلى الهرم إلى آخر شخص في قاعدته، وهذه لحظات تاريخية نادرة في تاريخ شعوب المنطقة، إذ اعتدنا أن نرى الشقوق الواسعة بين الرأس والقاعدة، ولا يملك المرء إلا أن يفرح بمثل هذا «التوحد» ومن الجميل أن يُبنى عليه، فحضن الشعوب دافئة وحنونة، والرهان عليها دائما رابح، وهي ملاذ من لا ملاذ له؛ لأنها قادرة على حماية من يلوذ بها، وتقويته، وإمداده بطاقة بلا حدود!
-2-
دائما في أي صورة بائسة ثمة نقاط بيضاء مشرقة، القهر الذي أصاب أرواحنا بوعد ترامب الخائب، كان له وجه حسن تمنينا أن نراه منذ زمن بعيد، كان يقال إن الناس ماتت، ولم يعد يهمها شيء، حتى ولو أحرقوا الأقصى، لتأتي حركة الشارع الهادرة لتنقض هذا الاعتقاد، هذا وحده يبعث أملا كبيرا في ربيع قادم، ربيع يرتد على قوى الثورة المضادة التي سحقت براعم الحرية قبل أن تستوي على سوقها، لم يزل ثمة أمل كبير في موجة جديدة من موجات الربيع، تعيد إنتاج ما شوهته الأيدي السوداء في «اللوحة» التي لم تكتمل!
-3-
كل حدث كبير أو مزلزل، وكل فعل خارج عن السياق، يزيدني يقينا أن عمر كيان العدو الصهيوني الغاصب يقترب من نهايته، ثمة معمرون فلسطينيون أكبر من «دولتهم» سنا، في احتفالهم بذكرى تأسيسها المشؤوم، خرجت من فم كبيرهم «نتنياهو» عبارات مستقرة في اللاوعي المذعور، أكثر التصريحات تعبيرا عن هذه الهواجس السوداء جاءت قبل فترة وجيزة في سياق جلسة دينية مغلقة في بيت نتنياهو، ولم تكد تسترعي انتباه الكثيرين، ماذا قال نتنياهو في تلك الجلسة المغلقة في بيته؟ قال: إن مملكة الحشمونائيم نجت فقط 80 عاما، وأنه يعمل على ضمان أن (إسرائيل) سوف تنجح هذه المرة والوصول إلى 100 سنة . مملكة الحشمونية (هشمونائيم) حسب مؤرخيهم، كانت دولة يهودية عاشت 77 عاما، وكانت نهايتها مع غزو المنطقة من قبل الإمبراطورية الرومانية. وحسب من حضر الجلسة، فإن ما قيل لفت انتباه الحضور، ونقلت صحيفة هآرتس حينها عن مشارك بالندوة قوله: قال نتنياهو إن وجودنا ليس بديهيا وأنه سيبذل كل ما في وسعه للدفاع عن الدولة، المملكة الحشمونية دامت 80 عاما وإن علينا بدولة (إسرائيل) أن نتخطى ونمر هذه الفترة»..
ثمة تسارع بالأحداث في بلادنا، فما شهدناه خلال عقود قليلة لم تشهده البشرية في قرون، على كل صعيد، وكل ما يجري يلبي هاجسا ليس رغائبيا بالتأكيد، يصيح في داخلي، أن جيلي الذي سيبدأ عقده السابع قريبا جدا، سيشهد مولد أمة ونهاية كارثة تسمى إسرائيل.. (ترامب هو إحدى أدوات هذا التغيير!)!!
بدأنا بشيء وانتهينا بشيء آخر، وما بينهما كثير من الدم الذي سيسيل؛ لكن التفاوض مع العابرين في الكلام العابر، وعلى رأي كاسترو سيكون في النهاية سيدور حول السؤال التالي: إلى أي بلد تودون الرحيل؟
الدستور