مدار الساعة - كتب: العين المهندس عبد الرحيم البقاعي
قد يقول قائل أن الاصلاح السياسي حمل بين ثناياه إصلاحاً إدارياً، وإذا كان هذا الكلام صحيحا من الناحية النظرية ضمن بيئات محددة تملك ترف الوقت، إلا أن الأردن للأسف ليست من ضمم هذه البيئات بالنظر الى الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية الماثلة أمامنا والتي تحتاج الى تدخل فوري وحاسم.
ومع إقرار التعديلات الدستوية وهي الركن الأول في منظومة الاصلاح السياسي، فإن الوقت قد حان للالتفات فورا وبجدية الى المسار الاصلاحي الذي لا يقل أهمية باعتباره الارضية التي تمهد الطريق لانجاز كل الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتزيل الحواجر التي تعيق التنمية الفعالة، والحديث هنا بالضرورة عن الاصلاح الاداري الحقيقي الذي يعود بنا الى إدارة عامة كفؤة وخاضعة للمساءلة ، فعالة وشفافة بنفس الوقت، وتقوم على مبادئ اللامركزية ومكافحة الفساد لا بل اجتثاثه والحوكمة الالكترونية ، بالاضافة الى مبادئ حرية الوصول الى المعلومات فعلينا أن ندرك أن غياب المعلومة الواضحة وذات المصداقية دفعت بالناس في الكثير من الأحيان الى استنتاجاتهم الخاصة التي أصبحت في كثير من الحالات حقائق متداولة اجتماعيا للأسف.
وإذ نطالب اليوم بمنح هذا المشروع صفة الاستعجال، فذلك لأننا نراه الوسيلة الأساسية التي يمكن من خلالها تنفيذ استراتيجيات الدولة الاردنية العابرة للحكومات لتحقيق الاهداف الانمائية المستقبلية. وهذا بالتأكيد يتطلب أكثر من مجرد تحديث المؤسسات الحكومية وخفض تكاليف الخدمة المدنية ، ودمج بعض الهيئات المستقلة، لأن الوقت قد حان لتعزيز ديناميكية العمل العام والشراكات مع القطاع الخاص بهدف تحسين جودة الخدمة، وضمان مشاركة واسعة من المواطنين في صنع القرار وقراءد ردود الفعل وقياسها على أداء الخدمة العامة.
وفي الحديث عن الهيئات المستقلة علينا فعلاً ان نميز بين المؤسسات المستقلة دستوريا وفق أحكامه (مثل السلطة القضائية والهيئة المستقلة للانتخاب التي لا يجوز ان تكون تبعيتها للسلطة التنفيذية دستوريا) ، وبين المؤسسات المستقلة حاجةً وضرورةً وتحصيناً مثل البنك المركزي ، وبين المؤسسات الاخرى التي استقلت بطراً وترفاً وتضخماً وهذه بالذات تشكل الغالبية العظمى من المؤسسات التي تحتاج الى عودتها الى شريعتها الأولى لوقف الازدواجية الحكومية في اتخاذ القرارات. .
ليس سرّاً أن من أبرز معيقات الاصلاح الاداري هو غياب الطريقة المؤسسية في اتخاذ القرار الاداري، ولعل ذلك وراء غالبية المشاكل المركبة في الاردن. هذا الغياب يؤدي بالضرورة الى تقويض نظام الجدارة ويصبح النظام الاداري غير مكترث بالمساءلة ويظهر التزاما منخفضا بأخلاقيات المهنة، فأصبح معتمدا بشكل مفرط على المحسوبيةوالفساد والشبكات الزبونية المبنية على مصالح العلاقات العامة المتشابكة.
لن ينجح ذلك إلا بإعادة تسليط الضوء على قضايا النزاهة والفساد، وترسيخ اجتثاث الفساد بدلا من مكافحته في سياسة الاصلاح، بذلك ننتج "مؤسسات دولة" فعالة في توصيل المنافع العامة بعدالة، وهي بنفس الوقت قوية وقادرة على المواجهة اذا تطلب الامر. ولعل كلمة السر في اجتثاث الفساد وقطع الطريق على الفاسدين هو في الأتمتة والتكنولوجيا التي تخفف من التواصل البشري بين مقدمي الخدمة ومتلقيها فضلا عن خفض كلف الوقت والمراجعات المرتبطة بإنجاز الخدمة.
لا تعني دعوات إعادة مأسسة الادارة العامة أننا نريد التمسك بأنماط من الادارة العامة عفا عليها الزمن، بل أن هنالك بعض الخطوات البسيطة والقابلة للتطبيق والتي من شأنها تعزيز ثقة الجمهور في المؤسسات الحكومية التي وصلت الى أدنى مستوى ممكن، ومن هذه الخطوات على سبيل المثال إتاحة المعلومات والبيانات الخاصة بالوظيفة العامة وشاغليها على شبكة الانترنت وبهذا يصبح المجتمع المدني شريكا في المساعدة بجهود القضاء على الفساد و "ردعه" فضلا عن دحض الاتهامات الخاطئة ودفن الاشاعات في مهدها!
على مؤسسات الدولة أن تلتقط وتستثمر التأكيد الملكي الحاسم بضرورة السير بجدية وشفافية في عملية الاصلاح الاداري ضمن برامج واضحة الأهداف ومحددة زمنيا ليلمس المواطن أثرها، وعلينا أن نربط هذه الحزمة باصلاحات تشريعية تسهل نشاط الأعمال بما في ذلك المعايير التنظيمية المتناغمة مع الممارسات العالمية،،، وقد حان الوقت بالتأكيد للبدء في كل ذلك!