حين يُصاب فرد بنزيف حاد إثر حادث سير ويصبح بحاجة الى التبرع الدم قد يجد العشرات وربما المئات يتطوعون لانقاذه ولهم فصيلة دم مماثلة لفصيلة دمه، لكن حين تصاب امّة بحادث اصطدام تاريخي واثر حروب اهلية بالنزيف فإن من يتطوعون للتبرع لها بالدم هم الغرباء إن وجدوا وان قبلوا، والمثل الموروث من عبد المعين الباحث عمّن يعينه تستدعيه الذاكرة في هذه الايام، فاللاجىء الفلسطيني حين كان وحده من يحمل هذا اللقب كان يجد عدة ملاذات ويجد على الاقل ارضا تتيح له البقاء على قيد التاريخ ولو في خيمة، لكن الامة الان نصفها من اللاجئين الذين لا يجدون ملاذا على اليابسة، وتبتلعهم البحار قبل ان يبلغوا اي شاطىء، وقد اضاف تاريخنا الحديث الى مصطلحات اللجوء والنزوح والاقتلاع مصطلحا جديدا هو العالقون فهؤلاء ليسوا من هنا او هناك، وهم عالقون بالتاريخ كما في الجغرافيا، ومن يقارنون بين حزيران 1967 وهذا الحزيران عام 2017 بعد نصف قرن يتجاهلون جملة من الحقائق منها ان ما فقده العرب في ذلك الحزيران احتجبت شمسه الساطعة وراء دخان المعارك كان ارضا ورجالا وبيوتا، لكن المطلوب الان فقدانه ووداعه هو آخر ما تبقى من الاحلام، وعلى من يواصل الحلم ان يعتذر عن رومانسيته وعدم واقعيته، لأن مفهوم الواقعية الان اصبح مرادفا للزواحفية والالتصاق بالتراب بلا اية شهوة للتحليق !
كانت هزيمة حزيران ناقصة تماما كالجريمة غير الكاملة، لأن العرب لم يتعاملوا معها باعتبارها نهاية التاريخ او القدر الذي لا فكاك منه الى الابد، وحين احصى عدوهم غنائمه لم يجد بينها اهم ما اشتهى الحصول عليه وهو احلامهم واصرار بعضهم على الأقل على تدارك ما تبقى .
ان حزيرانات الحروب الاهلية والتآكل الطائفي في عالمنا العربي اشد ايلاما للنفس من ذلك الحزيران لأن من يهزم في حرب على يد اعدائه ليس كمن يهزم نفسه بسيفه، وينتحر وهو آخر من يعلم !
الدستور