لم تحمل السنوات القليلة الماضية الرخاء والازدهار للدولة الأردنية، فقد عصفت فيها العديد من التحديات الداخلية والخارجية، واكتمل المشهد قساواة بجائحة عالمية لم يسبق لها مثيل دفعت السلطات الحاكمة إلى تفعيل العمل بقانون الدفاع لأول مرة منذ عقود طوال. وقد كان من الطبيعي أن تلقي هذه الأحداث بظلالها سلبا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وبالنتيجة على علاقة الفرد بدولته، فحصل تدهور سريع في الثقة الشعبية والسياسية بالدولة الأردنية بمؤسساتها وهيئاتها المختلفة.
ولا يمكن لأي عاقل أن ينكر الدور الحكومي فيما آلت إليه العلاقة السلبية بين الأردني ودولته، حيث ساهمت السياسات غير المدروسة للحكومات المتعاقبة في ضرب البنية التحتية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك بما اتخذته من قرارات حاسمة لم تأت بالنفع العام، وإنما زادت من الذمم المالية لفئة من الأشخاص الذين تسيدوا المشهد في تلك الفترات.
وما زاد الأمر سوءاً أن شريحة واسعة من المخلصين للوطن قد نبهت رؤساء الحكومات السابقين وحذرتهم من سياسات معينة ومن أشخاص متربصين بالسلطة، إلا أن هذه الأصوات قد ذهبت أدراج الرياح. فما كان من تلك الشخوص الشعبية الحكيمة إلا أن عبرت عن حزنها وسخطها على واقع الحال، فوقع كلامها على أرضية شعبية خصبة تلقت هذه التجارب وحفظتها عن ظهر قلب، فزاد عمق الجرح الشعبي في مواجهة السلطة الحاكمة.
ومع ذلك، فإن المسؤولية يجب أن لا تلقى فقط على الحكومات والمسؤولين في الأردن، فالمواطن قد ساهم بدوره في الابتعاد عن حكوماته، وكان شريكا فعالا فيما وصلت إليه الأمور من سوداوية. فالأردني الذي اتخذ لنفسه وصف «معارض» في الخارج، وأصبح من أبطال «اللايف» قد تجرد من أبسط عناصر الإحساس الوطني وارتكب خيانة عظمى بحق الوطن الذي أعطاه الكثير. كما أن الجمع الكبير من المتابعين لأولئك الأشاوس، يستمتعون بمن يشتم الوطن ورموزه، قد أوجد حالة حرب وعداء أصبحنا نلهث فيها خلف من يزور الحقائق ويبث السموم ويدعو إلى الفتنة والفرقة.
ومع ذلك، لا يزال المسؤول الأردني يعاني في الضعف والارتجاف في توفير المعلومة للمواطن الأردني المتعطش لها، والذي اضطر للبحث عنها من مصادر متعددة، وفي اتخاذ القرارات الضرورية لوقف الهدر في منسوب الثقة الشعبية. فالحق الدستوري في التعبير عن الرأي وتناقل المعلومات ليس مطلقا، وإنما يخضع للتنظيم والرقابة، والتي قد يصل مستواها إلى منع تلك الحقوق وتقييدها في سبيل المحافظة على الأمن القومي والمصلحة العليا.
ومن يريد من «الخبراء» التمسك بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، سيجدون أن سلطة الدولة في اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية لتنظيم ممارسة الحقوق ثابتة وراسخة، وبأن الاتفاقيات الدولية تعطي الدول الحق في وضع القيود على ممارسة الأفراد لحقوقهم وحرياتهم، شريطة أن يرد القيد بنص في القانون، وأن يطبق على الجميع على قدم المساواة، وأن يكون متناسبا وضروريا لحماية حقوق الغير والنظام العام.
لقد آن الأوان إلى اتخاذ جملة من القرارات الحاسمة التي تشعر المواطن بأن هناك حالة من الندم على حقبة زمنية سابقة، وبأن أخطاء الماضي قد جرى استيعابها، وأن هناك نية حقيقية في العمل على تفاديها في المستقبل، لعل وعسى أن نعيد الروح إلى ما تبقى من الثقة الشعبية قبل فوات الأوان.
أستاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
laith@lawyer.com
الرأي