مدار الساعة - كتب: الدكتور رافع شفيق البطاينة
تابعت كما تابع غيري من المواطنين تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي صدر بخصوص تقييم مجريات العملية الإنتخابية للمجلس النيابي التاسع عشر، كما وتابعت رد الهيئة المستقلة للانتخابات على التقرير.
وحقيقة ساءني جدا ما حدث من مساجلات ومناكفات بين مؤسستين عريقتين أحدهما دستورية وأخرى منشأة بموجب قانون على شاشات ومحطات التلفزة ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع الإعلامية المختلفة، وما ساءني هو ما جاء في تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي نكن له ولجهوده ولكل القائمين عليه كل الإحترام والتقدير، حيث أن التقرير لم يكن مهنيا وتقنيا بالمعنى المطلوب، وغلب عليه الطابع الإنشائي والعموميات والإسهاب الموسع الذي لا داعي له في هكذا تقارير، لأن الأصل في التقرير أن يكون ملخصا وموجزا ويضع يده على الجرح مباشرة دون الإسهاب بالشرح والتفصيل بدقائق الأمور، مما يشتت مضمون التقرير الذي صدر من أجله.
ولكنني ألتمس العذر للمركز الوطني هذا الخطأ الذي وقع فيه، كون معظم قياداتها التي نحترمها ما زالت ناشئة على العمل في مجال حقوق الإنسان وفي إعداد التقارير، وخبرتها ما زالت متواضعة، فهل من المنطق والمعقول أن يصدر تقرير حول الإنتخابات النيابية بحجم (129) صفحة، فالأصل في التقرير أن لا يتجاوز عن عشر صفحات بأحسن الأحوال، بحيث يتضمن المقدمة التي تتناول موجبات التقرير ومضمونه، والعرض الذي يتحدث عن الملاحظات الرئيسية والجوهرية، ومن ثم الخاتمة التي تتضمن التوصيات اللازمة لتحسين العملية الإنتخابية في المستقبل. وكان الأجدى بالمركز الوطني أن يضع في حساباته عند إصدار هكذا تقرير، ويأخذ بعين الاعتبار أن الإنتخابات في هذا العام جرت في جو استثنائي في ظل جائحة كورونا اللعينة التي اجتاحت العالم، مما أثرت وقيدت وحددت هامش حركة العاملين في الإنتخابات، كما أثرت سلبا على الناخبين والمرشحين وعلى الدعاية الإنتخابية مما ساعد في تدني نسبة المشاركة بالإقتراع، ولذلك كان لزاما على المركز أن يلتمس العذر للهيئة المستقلة وأن يشيد بانجازها اللامعقول في إنجاح هذه الإنتخابات دون وقوع خطايا كبيرة مقارنة بحجم الحدث الوطني، وأن يشيد بالجهد الذي بذل لإصدار التعليمات التنفيذية اللازمة للالتزام بالبروتوكول الصحي للإنتخابات حفاظا على سلامة الناخبين والمرشحين والعاملين في إدارة العملية الإنتخابية، ويعلم المركز أن مسؤولية الهيئة المستقلة الرئيسية تتضمن فقط إدارة والإشراف على الإنتخابات، وينتهي دورها عند هذا الحد، فقانون الإنتخابات ليس مسؤوليتها كونه صادر عن مجلس النواب وهو السلطة التشريعية المخولة بإصدار القانون، علاوة على أن مسؤولية ملاحقة ومحاسبة سماسرة بيع وشراء الأصوات هي مسؤولية أمنية مجتمعية بحته، والمحاسبة من مسؤولية القضاء، فالهيئة ينتهي دورها فقط عند تحويل ما يتم ضبطه من مخالفات إلى الإدعاء العام صاحب الإختصاص. كما أنه من الطبيعي أن تحدث بعض الملاحظات والأخطاء وربما تجاوزات خلال العملية الإنتخابية التي استمر التحضير لها (105) أيام من تاريخ صدور الإرادة الملكية السامية بإجراء الإنتخابات، وإذا ما استثنينا ايام الحظر الشامل، وهذا ما قصر من المدة القانونية للتحضير للإنتخابات. وكان على المركز الوطني كذلك أن يضع في حساباته ويغفر للهيئة المستقلة بعض الملاحظات والأخطاء الإدارية بالنظر لحجم الكادر البشري المشارك في تنفيذ مراحل الإجراءات الإدارية من تحضيرات لوجستية قبل الإقتراع وصولا ليوم الإقتراع والفرز كونه كادر بشري ضخم يصل عدده إلى عشرات الآلاف من الموظفين من مختلف القطاعات الإدارية منهم الكفؤ والقيادي، ومنهم من محدودي المستوى الإداري وفي النهاية جميعهم من الكوادر الأردنية من نتاج دوائرنا الإدارية يمثلون كافة القطاعات والخبرات من كافة محافظات المملكة.
إن إعداد التقارير لها أصولها وقواعدها، فكان الأجدى بالمركز الوطني أن لا يقدم المهم على الأهم، والسلبي على الإيجابي، فالأهم أن النظام السياسي الأردني ممثلا بجلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه كان حربصا على الإلتزام بتنفيذ الإستحقاق الدستوري في موعده احتراما للنهج الديمقراطي المعمول به منذ ثلاثون عاما.
والإيجابي أن الأردن نجح في إجراء الإنتخابات في ظروف عالمية عصيبة تجتاحه جائحة وبائية خطيرة وغير مسبوقة، ونجح في إفراز مجلس نيابي جديد، ويحقق نجاحا غير مسبوق، ويعطي صورة ناصعة للعالم، وانطباعا سياسيا وديمقراطيا بأننا دولة قادرة على مواجهة التحديات، وتجاوزها، فلا داعي أن نفسد الفرحة السياسية الوطنية العارمة التي اجتاحت الأردن بنجاح الإنتخابات دون ضرر يذكر.
لذلك كان يجب أن يكون التقرير يحاكي الواقع والظروف التي جرت الانتخابات في أجوائه، وأن يكون تقريرا استثنائيا يتجاوز العديد من الهفوات والأخطاء، كما علينا أن لا نحمل الهيئة المستقلة فوق طاقتها عن كل خطأ حصل، فقدراتها البشرية لا تحتمل أن تتواجد في كل محافظة وكل لواء وقضاء وحي وشارع وبيت، لتراقب عمليات بيع وشراء الأصوات، لأنها في النهايه هي مسؤولية ضميرية مجتمعية تكاملية بين السلطة والمجتمع، مسؤول عنها كل ناخب وكل مواطن للمساهمة في مكافحتها بشتى السبل والوسائل.
أما بالنسبة للإنتخابات العشائرية الداخلية فهذا عرف ديمقراطي جرت عليه العشائر منذ عام 1993م، وأصبح سلوكا عرفيا ديمقراطيا تواتر خلال عشرات السنين، وهذا السلوك إيجابي يعزز النهج الديمقراطي بين المواطنين ما دام ضمن حدود القانون، وكل الإنتخابات الداخلية جرت تحت رقابة أمنية وحكومية ضمن الإلتزام بشروط السلامة العامة والبروتوكول الصحي ولم يحدث ما يعكر صفو النظام العام.
أما بشأن المرشحين الذين انسحبوا بسبب ضغوط مورست عليهم لم يذكر لنا المركز أسماء هؤلاء المرشحين ومن الذي ضغط عليهم.
حقيقة لم أجد في التقرير بعد قراءته، وقراءة كافة التقارير التي صدرت من جهات رقابية وإعلامية عدة، وبحكم إطلاعي على مجربات العملية الإنتخابية اي أخطاء جسيمة كما جاء في التقرير.
وختاما لا بد أن نزجي الشكر والتقدير والثناء لكافة كوادر الهيئة المستقلة للانتخابات، وكل من ساهم من الجهات المعنية في إنجاح هذا العرس الوطني الديمقراطي الذي يزورنا كل أربع سنوات، كما ونزجي الشكر الجزيل للمركز الوطني لحقوق الإنسان اجتهاده في إصدار هذا التقرير ممارسا دوره الرقابي المعتاد الذي نجل ونحترم بموجب القانون.
وفي النهاية لا بد من اللجوء إلى طاولة الحوار الديمقراطي لتذليل وتجاوز كافة العقبات والتحديات والصعوبات لتجويد العملية الإنتخابية في المستقبل، بما يحقق طموح المجتمع الأردني في إخراج إنتخابات نقية من أية عثرات أو تجاوزات بما يعزز الثقة بمؤسساتنا الإدارية الوطنية والتشريعية، حمى الله الوطن، وقيادته الهاشمية الحكيمة، وشعبه الوفي من كل مكروه.