أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

للتذكير بثنائية الدولة والأبوة

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ
حجم الخط

حين كتبت امس « رسالة الى أبي «، الذي تزامنت ذكرى ميلاده المئة مع مرور مئة عام على تاسيس الدولة الاردنية، لم يكن ذلك شأنًا خاصاً به رحمه الله او بي، وانما مناسبة للتذكير بجيل الاباء والاجداد الذين بنوا الدولة ورفعوا مداميكها حجرا حجرا، فنحن جميعا مدينون لهم بالتقدير والاحترام، كما انها مناسبة لاستدعاء التاريخ الاردني الحديث، تاريخ الدولة لا تاريخ الاردن الممتد لالاف السنين، والدولة الوطنية هنا في عصرنا بمثابة « الاب «، فهي الموكلة برعاية الناس وتدبير شؤونهم واستيعاب اختلافاتهم، وبدونها تتحول المجتمعات الى غابات، ويتوحش الناس كما كانوا في غابر الازمان.

« ثنائية الدولة والابوة « هي المعادلة المفترض ان نبحث عنها ونحن نشهر استعداداتنا للاحتفال بالمئوية، لانها الوحيدة التي تجيبنا بكل وضوح على اسئلة الناس المعلقة، حول الهوية والوجدان الشعبي والحرية والعدالة والاصلاح، فالدولة التي تاسست في مطلع العشرينيات استطاعت ان تجمع «شمل « الاردنيين استنادا الى قيم ومبادئ لا مجرد مصالح فقط، والاردني الذي كان يعض على جرحه من الفقر كان يثق بالدولة، دولته، ويحبها، لانه كان يدرك انها لا تبخل عليه، حيث « الجود من الموجود « وحيث الجميع على منصة الفقر او الاكتفاء سواء.

قلت : يثق الاردنيون بالدولة، دولتهم، ويحبونها، ولا يترددون عن التضحية من اجلها باغلى ما يملكون، وما فعله شهداؤنا على اسوار القدس يعرفه الجميع، كما ان ما فعله الاردنيون الشجعان على اسوار قلعة الكرك مشهود ايضا، هذه الثقة، وذلك الحب غير المشروط، كانا وقاما حين تمثلت الدولة بكل تفاصيلها وحركاتها بصورة « الاب «، أرأيتم احدا لا يثق بأبيه او لا يحبه، وكذلك كان الاردنيون تجاه دولتهم ونظامهم السياسي.

لا اريد ان اقلب المواجع، لكن لا باس ان نستعيد ذلك التاريخ الاردني الذي تجسد في ابائنا و اجدادنا، وقتها كان في كل بيت معلم ومزارع وجندي، وكان في كل قرية ومخيم وبلدة وسيط اجتماعي برتبة» شيخ « حقيقي يمثل المجتمع امام الدولة، حيث لا فرق بين الدولة والمجتمع، كان ثمة وجدان شعبي تشكله الاغاني الوطنية الصادقة التي رددها عمالقة الغناء الاردني، وتبثها اذاعة المملكة الاردنية الهاشمية، كان ثمة فنانون على المسرح وفي لمسلسل يجتمع الاردنيون على فنونهم الراقية، كانت الوطنية دمغة يعتز بها الموظفون

والمسؤولون والمواطنون حتى وان اختلفت اتجاهاتهم السياسية، حتى وان دخلوا السجن، كان ثمة مجتمع حي يتحرك ويتضامن، ويساعد بعضه ويثق بالدولة.. وتثق به ايضا.

قبل ان تداهمنا الخصخصة واخواتها، ودولة الانتاج التي طوت صفحة «رعاية الدولة»، وقبل ان يبدع الذين سقطوا بالبرشوت على بعض المواقع في العبث بنسيج العشيرة، والتلويح بتجديد العقد الاجتماعي والصراخ، مجرد الصراخ، من اجل استعادة ثقة الناس بحكوماتهم ومؤسساتهم، كانت « ابوة « الدولة التي تاسست عليها وكذلك قيمها، سماحتها، واعتدالها، وتعاملها بمنطق الرحمة مع الناس بمثابة « السحر « الذي حافظ على الدولة رغم ما واجهها من عاديات، والمركب الذي عبرت عليه – عباب البحر – رغم الامواج العاتية.

الدستور

مدار الساعة ـ