والمدهش بالامر انه حتى المصادر التاريخية لم تسرد اي معلومات سابقة عن وجود حمامات رومانية بالمكان، وانما اشارت وبشكل عام لوجود مدينة رومانية..
إنها مفاجأة من نوع استثنائي أن يتم كشف هذه البقايا الاثرية على اعماق لا يمكن وصول الحفريات الاثرية اليها...فشكرا امانة عمان على الحفر لهذا العمق.
المفاجأة يبدو أنها كبيرة لدرجة ظهور تباين واضح في وجهات النظر بين المعنيين حول ما يجب عمله مع هذا الاكتشاف؛ بين من يدعو لمواصلة العمل بالمشروع الخدمي المذكور، وكأن شيئا لم يحدث، وإن الحديث لا يتعلق باكتشافات آثارية مهمة، وبين من يدعو للتوقف عن العمل بالمشروع، والتركيز بدلاً منه على الحفاظ على المكتشفات الاثارية،
برأينا، فإن بامكاننا الاقتداء بالتجربة الايطالية وكيفية تعاملها مع الاثار المكتشفة اثناء مشروع مترو الانفاق في وسط روما. حيث جرى إيقاف مشروع المترو لسنين طوال، وأُعطيت الاولوية للآثار المكتشفة، ليصار الى العمل جنبا الى جنب، لنرى بالنهاية انشاء متحف تحت الارض ــ بذات مكان الاكتشاف - للاحتفاظ وعرض التماثيل واللقى الاثرية.
هذا ما نتمنى ان يحدث فيما يتعلق بمعضلة الاكتشاف الحالي بقلب عاصمتنا، والتي كان من الممكن تجنبها لو كان هناك تخطيط واستكشاف علميين للمكان قبل البدء بتنفيذ المشروع المذكور، سيما وإنه يجري في قلب مدينة غنية بالاثار الظاهرة والباطنة.
ومعروف بأن المسح الجيوفيزيائي المسبق للمكان مثلا كان يمكنه أن يساعد في الكشف عن تلك المدينة الخافية عن الانظار قبل التنفيذ، او حتى الأن قبل اتخاذ القرار النهائي حول ما يجب عمله.
إنا أمام اكتشاف يمكن وصفه بالاعجازي، لن يتكرر، ويفرض علينا التمسك به.
وكلنا امل باللجنة الاستشارية التي شكلتها وزارة السياحة ودائرة الاثار العامة لإدارة هذا الملف بشكل فعال، وتقليل المخاطر الى حدها الادنى.
وعلى كل الوجوه يجب تأخير المشروع الذي قد يُحمل امانة عمان ودائرة الاثار تكاليف اضافية ليست بالحسبان. ولكن هذا الاكتشاف يستحق ذلك؛ لنتخيل معا مدينة رومانية متكاملة في قلب عمان الامر الذي سيضيف دخلا سياحيا للاردن.
وربما أهم الدروس المستفادة، على ضوء هذا الاكتشاف الآثاري، هو الكُلف المترتبة على عدم وجود تخطيط آثاري مسبق يُرافق أي مشروع انشائي، كهذه العبارة الصندوقية الضخمة، وبخاصة إذا كان الحديث يتعلق بمكان كوسط مدينة عمان معروف بتاريخيته وغناه الاثاري.
مرفق صور المقال..