في ظروف بالغة الحساسية يكلف جلالة الملك سياسيا من الجيل الشاب لتشكيل حكومة جديدة.
الدكتور بشر الخصاونة ثاني أصغر رئيس وزراء في عهد المملكة الرابعة بعد سمير الرفاعي.
الخصاونة ليس غريبا على المؤسسة البيروقراطية الأردنية فقد تشكل وتربى في واحدة من أعرق مؤسساتها، وزارة الخارجية التي قدمت للحياة السياسية عددا وفيرا من ألمع الوجوه وأكثرها احترافا.
اللحظة التي يتولى فيها الخصاونة موقع المسؤولية الأول في السلطة التنفيذية ليست عادية أبدا، بل هي واحدة من أخطر المحطات التي يمر فيها الأردن.
لكن ذلك غير مستغرب، ففي التاريخ السياسي الأردني عشرات الحكومات التي تشكلت في ظروف الأزمات، وصارت علامات فارقة في بلادنا.
ولأكثر من سنة ونصف السنة كان الخصاونة أقرب المقربين للملك، بحكم موقعه كمستشار سياسي لجلالته، يتولى إدارة ومتابعة ملفات عديدة، والأهم انخراطه الكامل في عمل مؤسسات الدولة التي تدير أزمة كورونا والتحديات الناجمة عنها على الصعيدين الصحي والاقتصادي.
تلك الظروف منحت الخصاونة فرصة ذهبية لقراءة عقل الملك وأولوياته، وملامسة طموحه الذي لا ينضب للسير في الأردن إلى الأمام، وتجاوز الأزمة الثقيلة، وتبعاتها المخيفة ليس على المملكة فحسب، بل على دول العالم أجمع.
ولكي تأخذ العملية طابعا مؤسسيا، جاء كتاب التكليف الملكي لحكومة الخصاونة واضحا ومباشرا، وهو أقرب ما يكون لأمر عمليات مثلما هو دارج في المؤسسة العسكرية.
حزمة من المهمات العاجلة وضعها الملك على عاتق الحكومة، معظمها إن لم تكن جميعها لا تحتمل التأجيل أو التسويف، وتتطلب تحركا متزامنا وسريعا لإنجازها، في مقدمتها احتواء الوضع الوبائي المتدهور، وتعزيز قدرات المؤسسة الصحية لمواجهة المخاطر المترتبة على تفشي فيروس كورونا.
كما يأتي تشكيل الحكومة في وقت تدخل فيه البلاد موسم الانتخابات النيابية كاستحقاق دستوري، ما يضع الحكومة أمام تحد آخر يتمثل في وجود مجلس نواب جديد يتشكل هو الآخر على وقع الأزمة الطاحنة.
والرئيس الملكف منهمك في الوقت الحالي في تشكيل حكومته واختيار فريقه الوزاري.
وهذه كما اعتدنا لعقود مهمة معقدة وشائكة، تتطلب جهدا كبيرا للوصول إلى تشكيلة وزارية تراعي التوازنات الاجتماعية والمناطقة، وتضمن الكفاءة والخبرة في ذات الوقت.
وفي غياب المؤسسة الحزبية وتآكل الطبقة السياسية على مر السنين، يصطدم الرؤساء المكلفون بمعضلات كثيرة، تترك أثرها على انطباعات الرأي العام حيال التشكيلة النهائية.
في المحصلة رئيس الوزراء هو المسؤول عن تشكيلة فريقه، وإن كان من حق المواطنين إبداء الرأي في شخوص الوزراء، إلا أن الفيصل بين الشعب والحكومة هو في الأداء والنتائج، وهذا ما لايمكن قياسه قبل مرور الوقت الكافي على بدء عمل الحكومة.
وبقدر ما تبدو المرحلة صعبة على أي حكومة تتولى المسؤولية في هذه المرحلة، فإن كتاب التكليف جعلها ميسرة، حين وضع المهمات بشكل واضح وصريح وحدد الواجبات المطلوبة، ولم يتبق على الحكومة في ردها إلا أن تضع خريطة طريق لإنجاز هذه المهمات.
والمؤكد أن الرئيس المكلف الذي عمل خلال الفترة الماضية عن كثب مع قادة المؤسسات في الدولة لن يجد صعوبة في خلق التناغم المطلوب مع الجميع وكسب الدعم اللازم لتنفيذ التكليف الملكي.
أما على المدى المتوسط، فأمام الحكومة مسؤوليات جسام تخص الوضع الاقتصادي الذي تفاقم مع أزمة كورونا وما خلف من معدلات بطالة مرتفعة ومديونية متصاعدة وانكماش اقتصادي يكبح جماح النمو، وغيرها من التحديات.
نجاح الحكومة من عدمه سيتقرر في الميدان الاقتصادي.
كان هذا التحدي الأكبر الذي أهملناه قبل أزمة كورونا، وها نحن نعود إليه مضاعفا مع اشتداد الأزمة.الغد