رغم عديد الأصوات التي أكدت خطورة انتظام العام الدراسي، بسبب احتمال تشكيل المدارس بؤرا خطيرة لانتشار فيروس كورونا، أصرت الحكومة على عودة الطلبة إلى المدارس يوم الثلاثاء المقبل، متخذة قرارها بناء على دراستها للتحديات والمعوقات المتوقعة، وتعهدها بأن تتجاوز كل ذلك عبر تدابير السلامة العامة التي ستحدثها تبعا للوضع الوبائي.
كانت أمام الحكومة خيارات عديدة للتعامل مع عودة الطلبة، لكنها لم تلتفت إلا لخيارين اثنين فقط، الأول إما أن يكون التعليم عن بعد، وهو طرح غير مناسب بالنسبة لها انطلاقا من الخسائر الكبيرة التي ستتلقاها المدارس الخاصة، ما يهدد مصير آلاف المعلمين والموظفين الإداريين، أو أن تلجأ للخيار الثاني المتعلق بالمخاطرة وإعلان عودة منتظمة للدراسة، وهذا ما فعلته.
بيد أن هناك خيارا ثالثا كان من الممكن أن يكون معقولا مرحليا.
فما الضير في أن تزحف وزارة التربية والتعليم تجاه تأجيل بداية العام الدراسي شهرا واحدا، حتى استقرار الوضع الوبائي نسبيا، ويكون لديها مساحة أكبر لدراسة قدرتها على التعامل مع أي تطور قد يحدثه اختلاط الطلبة فيما بينهم.
وزير الصحة أكد في تصريحاته يوم الجمعة أن العودة إلى صفر إصابة أمر صعب للغاية نظرا للاستحقاقات المقبلة، وعلى رأسها بدء الدوام الدراسي بشكله المنتظم، والانتخابات النيابية المرتقبة.
هذا يكفي لأن ندرك أن الحكومة اليوم تقرر أن تخوض مغامرة كبيرة غير مضمونة النتائج، وإن كان أكثر المتفائلين لا يرى أنها ستكون في مصلحة الوضع الصحي العام.
حسنا، الحكومة بالنهاية هي صاحبة الولاية في اتخاذ القرار، لكن عليها أن تدرك جيدا أنها ستفقد الكثير إذا ما اضطرت بعد اسبوعين من بداية الدوام إلى التحول للتعليم عن بعد بحجة تفاقم انتشار الفيروس، فهي تعلم جيدا أنه لا يمكن حينها إقناع أي مواطن بأن حجم الإصرار الكبير على بدء العام الدراسي مرده مؤامرة على أولياء الأمور لصالح أصحاب رأس المال من مالكي المدارس الخاصة.
من يمكنه مساعدة الحكومة حينها؟ فهي ستكون أسهمت بشكل كبير في زيادة انتشار الوباء بعد جهود مضنية في حصره ومكافحته، وملايين الدنانير التي أنفقت، والمصالح الاقتصادية التي تضررت، وزيادة نسبة البطالة والفقر، خصوصا مع إشارة للبنك الدولي أخيرا إلى توقعاته بارتفاع نسبة الفقر المدقع في الأردن 27 %.
تأخير بدء العام الدراسي 30 يوما لن يعني الكثير على مستوى التحصيل التعليمي، لكنه يعني كثيرا عند الحديث عن صحة المواطن، واستقرار الوضع وبائيا، فالمتوقع انتشار الفيروس بصورة خطيرة إذا ما خالط الطلبة بعضهم بعضا، حتى وإن كانت وزارة التربية والتعليم تتغنى بأنها تتخذ جميع إجراءات السلامة العامة.
الحقيقة تقول، وهي حقيقة لا يمكن إغفالها ولا تجميلها، إن مدارسنا وبنيتها التحتية ليست مثالية لخوض مثل هذه التجربة، وسنقع في الفخ لا محالة مهما حاولنا تجنب ذلك. كما تشير الحقائق إلى أن الحكومة غير قادرة دوما على اتخاذ قرارات صائبة، والأمثلة على ذلك كثيرة.
الأردنيون لم يمتلكوا حس المسؤولية في موضوع التباعد، فالأسواق كانت مزدحمة طيلة الفترة الماضية، وما تزال بلا ضوابط سلامة، والحفلات لم تختف، والاختلاط كان في ذروته في المقاهي وأماكن العمل، حتى لدى المراجعين في مؤسسات الدولة والأماكن السياحية.
كيف أدارت الحكومة كل ذلك؟ لقد تعاملت بمنتهى الاستخفاف والتهاون، فكانت غائبة تماما، وعليه كيف يمكنها ضمان التباعد بين مليوني طالب (1.5 مليون في المدارس الحكومية و500 ألف بالخاصة)، ناهيك عن المعلمين والإداريين. إنه ضرب من الخيال، وليستعد قطاعنا الصحي لما هو أصعب.
حتى هذه اللحظة، المساحة متروكة بشكل كامل للحكومة لأن تخطط وتدرس وتقرر، وهو الأمر الذي يتعامل معه المواطن بكل جدية واتزان، لكن في النهاية القرار والإجراء الذي ستتخذه يجب أن تكون نتائجه إيجابية، وإلا فلا بد من محاسبتها بلا هوادة، حتى وإن كانت تكلفة هذا الحساب أن تغادر الدوار الرابع بلا رجعة، وغير مأسوف عليها.
الحكومة أمام مغامرة ومخاطرة واختبار، ولا مجال أمامها إلا أن تنجح.. أو أن تنجح.الغد