انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

شروق أبو حمور تكتب: للحقيقةِ وجهانْ، والثلج أسودْ

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ نشر في 2020/06/08 الساعة 14:00
حجم الخط

بقلم الدكتورة شروق أبو حمور

غالباً تأخذنا أنصافُ الحقائقْ، ويبهرنا الكذبُ المـُنَمَق، والقليلُ يدرك أن للحقيقةِ وجهان، وجهٌ يرى الظالمُ به نفسه بأعدل صوره، ويرى المظلومُ من خلاله وحشٌ قاتل، والظالم هو المظلوم عند أحدهم، والقاتل هو من أجبره قاتله على ارتكاب الجريمة رغم طيبةِ قلبه وحسن نواياه.

المظلومة كانت في بداية حالتي هذه هي المريضة "شهناز" حيث حضرت إلى غرفة الطواريء وهي تبلغُ من العمر "٤٢" عاماً نتيجةً لمعاناتها من الرضوض والجروح المترامية على جسدها هنا وهناك، كانت تلك الكدمات ناجمةً عن ضرب الزوج وتعنيفه.
تعالجت جروح المريضة الجسدية، وأصبحت أتابع ندبات قلبها وخدوشه النفسية، وأتعرف على تفاصيل حياتها الإجتماعية، ضمن جلساتٍ متتاليه، تَحَدَثَتْ بها المريضة عن إهانات زوجها لها:
خياناته.

تعاطيه الكحول.

تدخلات أهله ومعارفه.

إهماله لأبناءه ولها.

قدمتُ لها العديدُ من المهارات خلال تلك الجلسات كضبط الغضب، ومهارات التواصل مع زوجها، والتكيف مع وضعها .

كان الزوجُ في حديثها بطلُ القصةِ الظالم الذي تخشى أن يعرف تواصلها معي، وترفض أن أجمعهما معاً ضمن جلسةٍ واحدة.

وانتهت علاقتي بالمريضة بعد أن شعرت بالتحسن، وأنها قادرةٌ على إدارة شؤون حياتها بمفردها، ومتمكنةٌ من إدارة أزمات حياتها إذا ما واجهتها وزوجها.

ومضت شهورٌ على إنهاء علاقتي المهنية بها.

الحالة التالية: حُوِلَتْ لي بعد ذلك للمريض "أحمد" والذي يبلغ من العمر "٥٠" عاماً وكان سبب ادخاله محاولته الانتحار عن طريق تناوله جرعةً كبيرةً من الأدويةِ المختلفة، جلستُ وإياه ليشرح لي يأسه من الحياة، والظلم والقهر الذي يعانيه من زوجته، فهو يعاني:

خيانتها.

تعاطيها الكحول.

تدخلات أهلها ومعارفها.

إهمالها لأبناءها وله.

وأثناء حديثه دخلت زوجته، والتي أذهلتني لأنها "شهناز" المظلومة سابقاً، الظالمةُ الان، المقتولة القاتلة، "شهناز زوجة أحمد".

أدركت عندما سمعتُ من كلاهما أن أنصافَ الحقائق لا تكفي، وأننا نجمل ما نروي كثيراً، لنتراضى مع ذواتنا، ونصالحها ونجملها عند سرد ما حدث.

أدركت بأننا دائماً مظلومون في أعين أنفسنا، وأن المظلوم هو الظالم والظالم هو المظلوم، والكيس الفطن من يستطيع أن يميز بين كلاهما.

أيقنت بأن للحقيقة:

عينان.

وأذنان.

ولسانان.

وقلبٌ لا يعلم خفاياه إلا الله.

ولونٌ أبيض كالثلج وإذا ما أراد البعض بأن يقنعنا بأنه أسود فعل، ولأن شهناز وأحمد كلٌ يغني على ليلاه، ويقول الحقيقة أو ما يرى من وجهة نظره أنها الحقيقة، فهذا يُعَنِف، وهذه الى هاوية الانتحار بزوجها تقذف.

ما كان مني الا أن ألقي السلام على كليهما، بعد أن أنهيت واجبي مع المريض أحمد بطل القصة الحالية، وحولته إلى جهاتٍ نفسية.

وتنبئتُ بأن استقبل لاحقاً حالةً لأبنائهم تروي القصة من زاويةٍ أخرى، فقد تكون للحقيقة ثلاثُ وجوه يكون بها:

- الثلج أسود "شهناز"

- الدخان أبيض "أحمد"

- الجليد رمادي "أبنائهم"

كلٌ يلون الحقائق بفرشاته، وتبقى عقولكم، وضمائركم الحكم.....

مدار الساعة ـ نشر في 2020/06/08 الساعة 14:00