خمسون عاماً على تأسيس (مركز البحث العلمي التطبيقي الأوّل) في الأردن
في منتصف العقد الأول من هذه الألفية، كان لي شرف العمل مع سمو رئيس مجلس أمناء الجمعية العلمية الملكية، كرئيس لها؛ كما تشرفّت بالعمل مع كريمته سمو الأميرة بنت الحسن، الرئيسة الحالية للجمعية، قبل عودتي من إجازة التفرّغ العلمي إلى جامعتي، جامعة العلوم والتكنولوجيا، أستاذاً للطبّ في قاعاتها ومدرّجاتها.
قد لا يعرف كثير من الأردنيين والعرب الدور المبكّر والضخم، الذي قامت به الجمعية في نهضة البحث العلمي في بلادنا الأردنية والعربية، وبناء الكثير من المؤسسات المرموقة في الأردن وخارجها، وتأهيل المئآت من الكوادر العلمية والفنّية المدرّبة، وفي ظروف بالغة القسوة والصعوبة. وهو دور سعيتُ إلى إبرازه، وتعريف الأجيال به، قبل عقد ونصف العقد، حين كلّفت أحد المختصين بكتابة تاريخ موثّق للجمعية منذ تأسيسها في العام 1970، وهو عمل منجز وضخم، أرجو أن يرى النور في أقرب فرصة ممكنة، كي ترى الأجيال الحالية ماذا فعل آباؤهم في سبيل الارتقاء؛ علماً ومعرفة ومؤسسات.
ذلك أنّه يصعب التعرف على المناخات العامة، التي تشكلت فيها فكرة الجمعية العلمية الملكية في عمان، إلا ضمن السياقات التي أحدثتها الهزيمة المدوية للعرب في حزيران/ يونيو عام 1967، وما كرّسته من حالات إحباط عامة ويأس مقيم، وما أنتجه ذلك من بحث ملحّ عن الحلول والمخارج والخلاص، سواء كان ذلك عند النخب العربية أو لدى عامة الناس. إذ كان هنالك شعور مكتوم، عند الغالبية في العالم العربي، بأن من أهم أسباب الهزيمة هو التخلف التكنولوجي والفكري في المجتمعات العربية. وهو ما عبر عنه بشكل تفصيلي الدكتور أنطوان زحلان، رئيس قسم الفيزياء في الجامعة الأميركية ببيروت آنذاك، والمدير العام الأول للجمعية العلمية الملكية لاحقاً، في دراسة علمية نشرها في خريف العام 1968، بعنوان "آثار الهزيمة وجامعاتنا الوطنية".
ويمكنني القول هنا، باطمئنان، أن فكرة إنشاء الجمعية العلمية الملكية، كحل عماده العلم والتكنولوجيا، يشكل رافعة للنهوض الوطني والقومي، بدأت مع عودة سمو الأمير الحسن بن طلال من بريطانيا إلى الأردن (1968؛ 21 عاماً)، الذي عاد لتوّه من هناك، بعد أنهى فيها تعليمه العالي، حيث أخذت بلورة الفكرة، لتأسيس مؤسسة على هيئة "جمعية علمية ملكية" نحو عامين، امتدت من خريف العام 1968 إلى ربيع العام 1970. ولعل أبرز ما تم التوافق حوله، عشية حوارات تأسيس الجمعية، وما قاد إلى بلورة فكرة إقامتها، هو نتيجة مؤداها أن "مصير عالمنا ومستقبلنا، في العالم العربي، لا يتقرر إلا في المكتبة، وفي مختبرات البحث العلمي". وهنا، تكاملت فكرة إنشاء "مؤسسة علمية"، تهتم بشكل أساسي بـ "البحث العلمي التطبيقي"، الذي لا يقوم إلا على "مكتبة متخصصة"، كمصدر بحث علمي، وعلى "مختبر متخصص" حديث، كوسيلة اختبار وتطبيق علمي، قبل مرحلة التصنيع. وهذا ما حدث بتأسيس الجمعية العلمية الملكية، التي أصبحت" مركز البحث العلمي التطبيقي" الرئيسي في الأردن.
كبيرة هي الطموحات، التي راودت أذهان المؤسسين الأوائل للجمعية العلمية الملكية، لكنها ظلت دوماً تتحرك وتحلق بين الواقع الصعب وبين آفاق تلك الطموحات. وبسؤال: "لماذا العلم؟"، رأى المؤسسون أن أبرز الخدمات غير المباشرة، التي يمكن أن تقدمها الجمعية، هي خدمات الكمبيوتر (الحاسوب)، وتحويل عقد السبعينيات من القرن العشرين إلى شاهد "للدخول بعدد معتبر من الكمبيوترات الكبيرة، ليس إلى الأردن فحسب بل إلى الشرق الوسط". كما اعتقد المؤسسون أن على الجمعية التركيز على المشكلات التقنية، العلمية والتعليمية والاقتصادية والاجتماعية. لهذا، فقد حددوا قطاعات اهتمام الجمعية عند التأسيس في جوانب: الإلكترونيات، الهندسة الميكانيكية، الفيزيائيات، مركز للكمبيوتر، تخطيط التطوير، والتعليم العالي. وتحددت الكلفة التقديرية لسنوات التأسيس الثلاث الأولى بنحو مليون دينار أردني لكل عام. وشملت دراسات المؤسسين موارد البلاد الأردنية، كالمياه والمعادن والتربة والحبوب والسمك ورأس المال والأرض والتاريخ، بما في ذلك الخطط اللازمة لاستخدام تلك الموارد، وتم وضع مشاريع للاستفادة من تلك الموارد.
* رئيس أسبق للجمعية العلمية الملكية، ولجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية