بقلمـ د. عبدالله الزعبي
بالأمس سرت مع عمر عند الفجر، التقيته على صهوة الحلم يمتطي مسحة الخشوع، رأيته يسرد الرواية من فم الحكاية، يردد كلمات تسبح في عباب الحكمة وسكينة الفلق.
بالأمس رافقت الفاروق والفرائص ترتعد، في رحلة الفيافي من بهجة المدينة إلى القدس الحزينة، بصحبة الناقة والخادم، يتناوبون معه لهيب الصحراء والعطش ويحتسون نكهة المجد. كان عمر عبر المسير الحافي يغرس عصاه في تراب الأمة القاني، يتقلد حذاءه على عاتقه ويصعد به ذروة الفتح، يرتقي ذؤابة العهدة في البيت على عتبات الصخرة والقيامة، حذاء كاد يخجل من رائحة السبات والغفلة وقرون طوال في حضرة الجبن والرياء وآفة النفاق الأبدية التي سكنت بادية الأعراب.
سمعت بالأمس إبن الخطاب يتمتم بأول مقولة غمرت محيط الحزم والعدل، إنها القلوب يا علي إن صفت رأت، إنها فراسة رجال الصدق، عليك به وإن قتلك، في السيف قوم ذاك الإعوجاج في قوم قتلوا أسودهم فإنفرد بهم قطيع النعاج. كانت عصاه بالأمس تلمع لمن عصا وتلوح لقبح القطيعة والجفاء والعداء بعد الصلة والمودة والإخاء. رأيته يقف مشدوهاً من مآسي الخلَفِ وذرية الهوان، حسبته آنس ناراً لعله آتىٍ منها بجذوة أو قبس، شعلة تطفئ ظمأ الرجولة التي نعتها غصة الفجيعة على شفا المنام، أو علَ عمر محضرٍ سقيا تروي فحولة شاخت تحت مآذن القدس وأسوار بغداد، منذ فض هولاكو بكارة القلم وشرب الحبر بأواني الدماء، إذ سبقه بابان بالظفر فمزق العهدة على مرأى مخادع العجز والعنة، فلم يجد سوى الدموع تصد العدى، بمجرد شكوى حبست في مآقي النساء.
سبحت بالأمس مع عمر عند الفجر في أنهر الفضيلة، حسبت في منام اليقين أن أبي حفصة قد عاد، يبحث عن قلوب صافية فيها ذاك الصدق وتلك الفراسة، عسى أن يجدها قبل أن يجف ضرعها ويذبل زهرها، في عصر التفاهة والفتنة، كأنما الرمادة رجعت بسحبها الصفراء، وعامها الذي توشح القحط في المكارم والأخلاق. أطرق الفكر بالسؤال: أن هب ابن الخطاب فعلاً قد عاد، فكيف المشهد والسؤال، أين تهرب القرون التي تفوح منها خطيئة الأيام، من يقيم قصر العدل الذي فاضت روحه إلى باريها في زحمة العبودية وغيبة الأحرار، أين ذاك الصدق الذي قتل قلوباً كانت ترى يوماً بنور الله.