بقلم: د. عدنان المساعده*
الفشل طريق النجاح، هذا صحيح إذا درسنا الأسباب و تفحصًنا الاخطاء ، وتعلمّنا منها وشخصّنا الأمراض ووضعنا خطة العلاج. ان هذا النموذج ينطبق على جميع مجالات الحياة، فقد يفشل المسؤول او المؤسسة في إدارة مشروع لأسباب كانت غائبة عن التخطيط السليم وعدم امتلاك الرؤية الاستشرافية لتحقيق النجاح، وقد نفشل في وضع سياسات ادارية وتربوية واجتماعية واقتصادية، فتظهر النتائج السلبية التي ينال تأثيرها عدة مجالات. فمراجعة هذه السياسات والاستراتيجيات تقييما وتقويما وتشخيص الاخطاء بدقة ومنهجية يقود الى انطلاقة جديدة وآفاق مستقبلية تنعكس على المجتمع تقدما ونهضة.
وهنا، في التعليم و التعليم العالي نحن بأمس الحاجة الى المراجعة المستمرة وربط الماضي بالحاضر وتطلعات المستقبل وربط الاسباب بالمسببات لننهض في هذا المرفق الحيوي والهام . وهذا يتطلب تأهيل الأجيال تعليما وتدريبا، ويتطلب ايضا انتهاج طرق علمية واضحة تنعكس على مستوى التحصيل الحقيقي والقدرة على التعلم وجودة المنتج التعليمي. ولنسأل أنفسنا وبمنتهى الامانة و المسؤولية، كيف يصل الطالب الى مستوى الثانوية العامة أو الجامعة وحصيلة المفردات اللغوية كتابةً وحديثاً ما زالت ضحلة ؟ بل وأن الكتابة في لغتنا التي تعتبر هويتنا اصبحت ليست بالمستوى المطلوب حيث الأخطاء الإملائية وركاكة التعبير؟
وعندما يخفق الطالب في الامتحان يضع الحق على المنهاج وعلى المعلم وينسى أنه لم يكن يحضر المحاضرات ولم يستعد الاستعداد الجيد والمناسب للامتحان، وقد يتهم الطليان في سبب هذا الفشل حيث كان يتابع مباريات الدوري الإيطالي. وعندما تبدي ملاحظة هنا أو هناك نلقي باللائمة على التعليم ونبرر الفشل في صياغة الموضوع بالطريقة السليمة على الآخر وعلى الطليان مبرئين أنفسنا من ذلك، وكأن نقد الذات أصبح محرّما أو جريمة. وعندما تشير الى ذلك نتعذر بأعذار غير مقنعة ونقول أن الحق في ذلك يقع على عاتق الآخر والحق على الطليان المساكين رغم بعد المسافات والحدود.
وعندما نصدر قرارا متسرعا وعبثيا وغير مدروس بموضوعية أو إنصاف ويتعلق بمصير فرد أو مجموعة من الناس، فإن تبعات هذا القرار قد تضر الفرد أو المجموعة ويكون الخطأ كبيرا، وعند ذلك نلقي بالمسؤولية على الآخر وعلى الطليان، ولا نمتلك الجرأة للاعتراف بأخطائنا أو تصويبه دون أن تلقى الأخطاء على الآخر المسكين حتى وان كان يعيش في آخر أصقاع الأرض. فما الغريب أو المعيب اذن من أن نمضي في طريق واضحة المعالم نعترف بأخطائنا نحن ولا نتهم الطليان المساكين بأنهم سبب الأخطاء التي تحدث في بيوتنا وشوارعنا ومؤسساتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومجتمعنا؟ وطننا بحاجة الى أن نعترف بأخطائنا كي يغفر لنا، ويطلب منا كذلك أن نعالج مواطن الخلل أنّى وجدت، فهل يبدأ كل واحد منا بنفسه لترتاح نفوسنا وضمائرنا التي لوثتها المادة والنفاق وحضارة المصانعة والتقليد والتفاخر الكاذب.
وهل هناك من عودة وتوبة ورجوع عن أخطائنا تجاه وطننا اولا وتجاه أنفسنا كذلك؟ ولنكن أكثر صدقا مع الذات، لأن الصدق مع الذات هو أعلى مراتب الصدق حيث الانسجام مع النفس وهدوء البال وتجنب الأخطاء والسير في أقصر الطرق وأنقاها طريق الاستقامة، وعلم الرياضيات يعلمنا أن الخط المستقيم هو أقصر وأسهل الطرق، لأن اللف والدوران والانحراف عن خط الاستقامة يقود الى الفوضى الخلّاقة والعبثية والاستهتار، ولا يحقق نتائج دقيقة أو صحيحة، ويتعب ذلك أجسادنا، ويعيق مسيرتنا ويزيد من أخطائنا ويقودنا الى التراجع والوراء وما أقسى ذلك على النفس السوية صاحبة الهمة والسمو التي تتطلع لنهضة مجتمعها ووطنها في كافة الاتجاهات ومسارات البناء والتنمية التي تؤسس بنيانها على أساس قوي متين بعيدا عن تناقضات الحياة وصخبها وضجيجها. وحمى الله أردننا ودام جلالة الملك سيدا وقائدا وحفظ الله سّمو ولي العهد الأمين.
• كاتب واكاديمي / جامعة العلوم والتكنولوجيا الاردنية.
• عميد كلية الصيدلة سابقا في جامعتي اليرموك والعلوم والتكنولوجيا الاردنية
• رئيس جمعية أعضاء هيئة التدريس سابقا