من الطبيعي أن يبوح رئيس وزراء أسبق بالشكوى من تدني المستوى الأخلاقي في لغة الخطاب تجاه الحكومة أو المسؤولين عبر «منصات التنفيس» بجميع أنواعها مواقع الكترونية أو مواقع التواصل الإجتماعي، فرغم أنه يعد من أكثر الرؤساء حوارا مع المواطنين ولكن يناله النقد الجارح أيضا، فضلا عن بقية مسؤولي المنظومة الرسمية، ويسأل كيف يمكن الكف عن هذا التطاول غير المبرر على الحكومات والمسؤولين، فجاءت الإجابة من أحد الشيوخ
حاضرّي الجلسة: إذا أردتم التخلص من النقد الجارح قوموا باستيراد رئيس حكومة وطاقم وزاري من اليابان يبتكرون حلولا ويصلحون المنظومة بأسرع وقت وبخطط ذكية، ونرتاح جميعا.
هذا الحلّ الفانتازي الذي طرحه الشيخ مازحا، كنت أتكلم به منذ سنوات، لنفكر بالخروج من المأزق علينا أن نغير أدوات الإدارة ونستورد أخصائيين مهرّة لإدارة الحكومة، وزير خارجية أميركي، وزير مالية سويسري،وزير صناعة كوري، وزير زراعة استرالي، وزيرة سياحة روسية، ونعطيهم مسميات مديرين تنفيذيين، ولكن رغم أن الأحلام مشروعة فستصدمنا الحقيقة حينما نستيقظ من الحلم، أنه الواقع الذي لم يعد لديه أي مخزون من «الكذب العذب» ليبقينا على منصة الآمال في تحقيق إعادة الساعة للخلف حين كان الأردن محصنا بمؤسساته الإقتصادية الوطنية وخدماته الراقية تعليميا وصحيا وإداريا، فالحكومات المتتالية لم تستطع إنتاج منظّرين أو مفكرين أو أصحاب حلول منطقية، يتعاملون مع النقد البناء على أنه هدايا لعيوبهم.
آخر ما يحتاجه هذا البلد تلك القلة من الكذبة والمنافقين وبائعي الآمال والأحلام، ومسوقي القرارات التي تمارس إرهابا نفسيا ومعيشيا على المواطنين، وتتركهم كمن ينتظر الزلزال في أي لحظة يهدم بيوتهم، ومع هذا فهي لا تملك أي تصور أو توقع حقيقي لما ستؤول اليه الأمور اجتماعيا و سياسيا، وهي ترتهن لرؤية وفكر شرذمة قليلة متعاونة مع أصحاب المصالح، فبدأت من التلويح بمستقبل الدينار مرورا بعجز تراكمي للمديونية الى قرارات رفع الدعم عن غالبية السلع الأساسية وتعديلات قانون الضريبة لإسعاف الموازنة ورفع أسعار الكهرباء والماء وفاتورة طويلة من الجبايات، يقابله هدرمالي كبير على شكل عطاءات وامتيازات حكومية، فكيف سيحب المواطن الحكومة؟
نحن بحاجة الى من يفكر بهذا الوطن لما بعد عقدين و أكثر، وأن لا يحكم على الواقع الحالي رغم ترديه، فإن كان التفكير كما نرى، والمفكرون كما نعرفهم، فاعلموا أننا سنخرج أشتاتا الى ما لا نعرف، فالبعض يقودون الدولة برمتها الى مصير غير محمود، وهم لا يتحملون حتى مسؤولية قراراتهم المتوقعة، أما الإرهاصات والنتائج والفوضى التي أوصلونا الى ما نحن فيها من خوف وحيرة، فإن كل حكومة ومسؤول كبير أو ما يعادله، خلال الحقبة الماضية هو مسؤول عن ضياع هذا المواطن، وتعريض الدولة للخطر.
الرأي