خلق الله الإنسان إجتماعي بطبعه من قبل ولادته وهو جنين في رحم أمه من بعد أن تدب به الروح في اليوم المائة والعشرون من الحمل عندما يبدأ الحركة وتأخذ أمه وأبيه يراقبون حركته ويتكلمون معه بشكل تلقائي وبكل محبة وتوق لرؤيته. وعند ولادته تستقبله القابلة ومن معها وأهله بالترحاب وبالتهليل وبالإبتسامات، وبعد ذلك بالمباركات من قبل الأهل والأصدقاء ... إلخ. ويتفاعل معه كل من حوله، ويكبر بين والديه وأهله ومن ثم يذهب إلى الروضة ويختلط مع أقرانه وبعد ذلك إلى المدرسة الإبتدائية ثم الإعدادية ثم الكلية والجامعة وفي كل هذه المراحل يكون قد إختلط مع مختلف الأشخاص من أقران ومعلمين ومسؤلين إداريين ... إلخ في مجتمعاته من الصغيرة العائلة إلى الأكبر في المجتمع المحيط به. وبالتأكيد بعد التخرج من الجامعة أو قبل ذلك وعندما يشتد عوده يبدأ بالبحث عن عمل. وتختلف بيئة العمل تماماً عن بيئة الدراسة، وفي بيئة العمل يكون التنافس الشديد موجوداً بين الأقران وكل شخص يحب نفسه أكثر من غيره، إلا فقط الأب والأم يحبان أولادهما أكثر من نفسيهما. وفي حالة ما يكون التنافس غير شفافاً وغير منصفاً لكل الأطراف يحدث بعض الخلافات الشخصية بين الأقران. وإذا لم يتم معالجتها بشكل صحيح ومنصف لجميع الأطراف يكون الأثر سلبي على بعض الأطراف وربما إيجابي على الأطراف الآخرين. وبالطبع الشعور السلبي وعدم الراحة النفسية في العمل ينعكس على الأداء في العمل وبالتالي يكون تاثيره سلبيا على المؤسسة. وهذا ليس هو الهدف المرجو من تعيين موظفين في أي مؤسسة.
فكيف سيكون الحال لو كان موظف في مؤسسة ما متميزاً ونشيطاً وذكياً ومبدعاً وإجتماعياً... إلخ ويحاول المسؤول عنه إعاقته في إنجاز أعماله أو تهميشه أو ربما تجيير إنجازاته له دون وجه حق ... إلخ. فهنا تقع المأساة الكبرى على الموظف الضحية وتصبح حياته جحيم في بيئة عمله ويكره المسؤول والعمل والمؤسسه بسبب ذلك المسؤول. والخطأ هنا ليس على المسؤول المباشر عنه وإنما على رأس الهرم في المسؤولية وفريق عمله الإداري الذين لم يُفَعِّلِوا عملياً الإجراءات الموجوده في متابعة المسؤولين والموظفين ومراقبتهم في تعاملهم مع بعضهم البعض وفي تقييم أداء كل واحد منهم وفق مسؤولياته وصلاحياته الموكله إليه. لهذا فحتى تكون المؤسسة ناجحة في عملها فيجب على الهيئة الإدارية فيها (رأس الهرم وفريق عمله الإداري) تطبيق الشفافية الكاملة في المتابعة والمراقبة للمسؤولين والموظفين في التعامل والأداء والإنجاز حتى لا يجرؤ أحداً من المسؤولين في المستويات الإدارية الأولية والوسطى وحتى العليا مضايقة أي موظف أو إعاقته أو تأخير عمله أو تجيير إنجازاته له دون وجه حق للصعود في المرتبة على أكتافه، وحتى تكون بيئة العمل صحية والكل راضٍ عنها من مسؤولين وموظفين.
فالذي يضبط مواطني وشعوب الدول الأجنبية هي القوانين والأنظمة والتعليمات والأسس والتي يخضع لها رأس الهرم في المسؤولية في أي مؤسسة قبل أبسط موظف فيها وكذلك المسؤولين في الدولة. ووضعت هذه الضوابط لِتُفَعَّلَ وليس فقط لتكون حِبْراً على ورق كما هي في كثير من الدول. ورغم ذلك يمكن أن يحصل بعض التجاوزات بين المسؤول ومن هو مسؤولٌ عنهم ولكن قليلة جداً للغاية ويمكن حصرها ومعالجتها على الفور حتى لا تلحق الضرر بالأشخاص والمؤسسة. هناك كثيراً من الحالات تُرْوَى عن مسؤولين قاموا بمضايقة موظفين تحت مسؤوليتهم عن طريق تأجيل عملهم لإعاقة إنجازاتهم ومضايقتهم بشتى الوسائل غيرةً وحسداً، ولخوفهم على كراسيهم أو مسؤولياتهم تسحب منهم. وذلك لشعورهم بالضغف والنقص أمام علم وقدرات وتفوق بعض الموظفين عنهم. وهذه المشكلة تتكرر في أكثر من مؤسسة حكومية وخاصة ولكن في المؤسسات الحكومية تتكرر أكثر بكثير من المؤسسات الخاصة بفعل الواسطات والعلاقات الشخصية والمحسوبيات للأسف الشديد. وكثيراً من الموظفين المتميزين والمتفوقين يئسوا من الحصول على حقوقهم وإنصافهم في مكان عملهم وبالتالي تركوا أماكن عملهم بسبب هذه المضايقات وغادروا الوطن إلى بلاد الله الواسعة وعملوا في دول عربية وأجنبية. ولهذا السبب نحن لا نجد هذه الأيام في كثير من المؤسسات موظفين كفؤ، وهذا ينعكس على إنجاز العمل وتقدم الدولة في كل مجالات الحياة.
وهناك كثيراً من الأشخاص يعملون خارج الوطن حاقدين على كثير من المسؤولين الذين لم ينصفوهم ولم يتعاملوا معهم بإحترام وبتقدير لما عندهم من قدرات وخبرات. ونحاول تخفيف حقدهم وشعورهم النفسي السيء بقولنا لهم إن الرزق على الله وقال الله في كتابه العزيز (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ، فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ (الذاريات: 22 و 23)). وربما حصل ذلك خيراً لكم لتحصلوا على فرص عمل أفضل وتأخذوا ما كتبه الله لكم من رزق في مكان أو أمكنة أخرى. فلماذا لا نكون في أردننا العزيز والغالي مثالا يحتذى به بين دول المنطقة والإقليم والعالم في تطبيق القوانين والأنظمة والتعليمات والأسس على الجميع وحتى على المقيمين من دول عربية شقيقة أو أجنبية؟. كما كنا نلمس ونشعر عندما أقمنا في بعض الدول الأجنبية التي تلقينا فيها علومنا العليا أو أقمنا فيها للعمل أو الزيارة أو السياحة. ونحن كأصحاب ديانات وكتب ورسالات سماوية، علاوة على مبادؤنا وأخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا وشيمنا ... إلخ التي تملي علينا ذلك.