أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات أسرار ومجالس مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الدكتور علي شريعتي وأطروحته (النباهة والاستحمار)

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

كنت قد تحدثت في المقالة السابقة عن مالك بن نبي وأطروحته الموسومة "بالقابلية للاستعمار" وفي هذه المقالة سنتحدث عن أطروحة أخرى للمفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي والموسومة بــ "النباهة والاستحمار " والتي تلتقي مع أطروحة بن نبي في كثير من غاياتها ونتائجها.

فالدكتورعلي شريعتي (1933م - 1977م) مفكر ايراني شيعي ومن القلائل الذين تحرروا من هوى المذاهب والتمذهب، فانتقد ما أسماه "بالتشيع الصفوي" و"التسنن الأموي"، ودعا الى التقارب بين "التشيع العلوي والتسنن المحمدي"، وكان من معارضي الشاه وقد وجد مقتولا في لندن عام 1977م من قبل مخابرات الشاه كما قيل وقتها.

لشريعتي عدة مؤلفات منها التشيع الصفوي والتشيع العلوي وكتابي مسؤولية المثقف ومسؤولية المرأة وكتاب النباهة والاستحمار. كان شريعتي من انصار الزعيم الوطني الدكتور محمد مصدق رئيس وزراء ايران بين عامي 1950م ــــ 1953م الذي قام بتأميم شركة النفط الايرانية الخاضعة لبريطانيا ، مما دعا المخابرات البريطانية بالتعاون مع المخابرات المركزية الامريكية للاطاحة به من خلال انقلاب عسكري . يناقش الدكتورشريعتي في كتابه النباهة والاستحمار وضعية التخلف في العالم الاسلامي ويرجعها الى غياب النباهة أي الوعي النفسي والاصالة والابداع وهي الصفات التي تكّون الذات الفاعلة في المجتمع وتجعله كيانا مستعصيا على الاستبداد والاستعمار وحين تختفي هذه الصفات أي الوعي والأصالة والأبداع تبرز عندئذ ظاهرة الاستحمار أي تزييف الوعي الفردي والاجتماعي وتسخير الانسان لخدمة أغراض الاستعمار واستبداد الفئآت الحاكمة كما يسخّر الحمار. ان المأساة كما يقول الدكتور نصر محمد عارف أن عملية الأستحمار هذه موجودة لدى الجماعات التي تتصدى للشأن العام وتقدم نفسها لقيادة الدول المسماة بالوطنية وهي في ذاتها في قمة الأستحمار لأطراف أقليمية ودولية.

يقسّم شريعتي النباهة الى نوعين ، فردية واجتماعية . فالنباهة الفردية (الوعي النفسي) هي الوعي الفردي الذي يدفع الإنسان إلى معرفة نفسه داخلياً بعيداً عن أجواءه المحيطة، ويعطي الإنسان شعوراً بذاته ووعياً بقيمته وقدره . وهذه النباهة أي الوعي لابد أن تسبق الحضارة أو الشروع بالنهضة وهنا يلتقي شريعتي مع مالك بن نبي بضرورة وجود فكرة او نظرية أو ايديولوجيا (أي وعي مسبق فردي وجمعي) تتأسس عليها النهضة اذ الواقع والوقائع يؤكدان أن كل المجتمعات التي بدأت من نقطة عقائدية وتحركت بعد تحقيق وعيها الفردي والاجتماعي تمكنت من بناء الحضارة . فمثلاً ألمانيا التي تمتلك الفكر أي الايديولوجيا ، تمكنت بعد الحرب العالمية الثانية من تدارك وجودها الحضاري، أما دول الخليج العربي – مثلاً – فقد ظلت مستهلكة على الدوام، رغم مرور أكثر من نصف قرن وهي في عالم الاستهلاك والتمدن. أما النباهة الاجتماعية ، فقد عبّر عنها شريعتي بشعور الانسان الفرد بدوره التاريخي والاجتماعي تجاه أبناء شعبه وأمته ، والشعور بانضمامه وانتمائه للمجتمع وبمسئوليته كرائد وقائد في الطليعة من أجل الهداية والقيادة والتحرير. لذا فإن الشيء الذي ينجي الإنسان من الاستحمار بكل وجوهه وصوره، هي تلك النباهة (الوعي النفسي ) بقسميها الذاتي والأجتماعي. فكل دافع أو عامل يقف أمام الوعي والنباهة بكلا قسميها ويعطلهما، فإنه يدخل ضمن مقولة الاستحمار سواءً كان هذا الدافع علماً أو فناً أوحضارة أو أي شيء مقدس. فقد يستخدم الخطاب الديني الذي تتولاه فئة من الرسميين، كإحدي طرق التخدير والتزييف من خلال التركيزـــ كما يقول مالك بن نبي ـــ على الأفكار الميتة التي يتم استحضارها من قبور التاريخ ويطلب تطبيقها في هذا العصر رغم أختلاف ظروف الزمان والمكان . هذا الخطاب الديني المزيف يستخدم في عمله الاستحماري ذات الأدوات والمفاهيم للدين الحقيقي (دين ضد الدين)، إلا أنه قام بتشويهها وإعادة صياغتها بما يلاءم دوره الاستحماري، بحيث تسلب من الإنسان إرادته وقدرته في صنع مصيره ، أوتلهيه عن ذلك.وكمثال على ذلك يقول شريعتي (فعندما يشب حريق في بيتك، ويدعوك أحدهم للصلاة والتضرع إلى الله عز و جل، ينبغي أن تعلم أنها دعوة خائن، لأن الاهتمام بغير إطفاء الحريق والانصراف عنه إلي أي عمل آخر حتي لو كان مقدسا هو الاستحمار الذي يمارسه عليك من يعظك.) فالاستحمار اذن هو عملية تزييف ذهن الإنسان ونباهته (وعيه ) الفردية والاجتماعية وهو طلسمة الذهن وألهائه عن الدراية (الوعي ) الانسانية والدراية الاجتماعية و أشغاله بحق أو بباطل , مقدس او غير مقدس ، بقضايا هامشية على حساب قضاياه الاساسية والمصيرية ، لأن أي عملية تغييرلابد ان تعتمد على الوعي بالمشكلة المراد تغييرها وكما يقال ان الظلم لايولد الثورة وانما الاحساس أوالوعي أو الشعور بالظلم هو الذي يؤدي الى الثورة والتغيير، وهذا ما عبر شريعتي عنه بمصطلح النباهة حيث قسمها بدوره إلى نباهة فردية واجتماعية أي وعي فردي ووعي جمعي.

وبعد، فيبدو لي من خلال عرض أطروحتي القابلية للاستعمار والقابلية للاستحمار عند كل من مالك بن نبي وعلي شريعتي أن هناك قواسم مشتركة بينهما ولعل في مقدمة ذلك ان أسباب هاتين الظاهرتين تكمن في التخلف الحضاري بما يتضمنه من جهل وعدم وعي عند مالك وفي غياب النباهة أي الوعي الفردي والاجتماعي المؤدي الى التخلف الحضاري عند شريعتي. وكلتا الظاهرتين القابلية للاستعمار والقابلية للاستحمار تؤديان الى نفس النتيجة وهي قبول الاستبداد والاستعباد وفي النهاية قبول الاستعمار الذي هو نتيجة وسبب في آن واحد، نتيجة لتعطيل الوعي والنباهة ولوضعية التخلف الحضاري الفردي والجمعي وسبب في تكريس ديمومة هذه الحالة الى امد طويل.

مدار الساعة ـ