أخبار الأردن اقتصاديات خليجيات دوليات مغاربيات برلمانيات وفيات جامعات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات شهادة مناسبات جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الطورة يكتب: أحزاب حقيقية أم دكاكين سياسية؟!

مدار الساعة,مقالات
مدار الساعة ـ
حجم الخط

عبدالرحمن خالد الطوره

مازالت التجربة الحزبية الاردنية رغم صدور قانون الاحزاب تراوح مكانها وتعاني من ضعف الاقبال الجماهيري والأنخراط في صفوفها لأسباب كثيرة بعضها ذاتي يتعلق بالأحزاب نفسها من حيث البرامج التي تبدو غير مقنعة للمواطنين أو الى ارتباط الكثير منها وجودا وعدما بشخصيات سياسية تسعى من خلال الحزب الى اثبات وجودها على الساحة السياسية , أو لأسباب موضوعية خاصة بالجو السياسي العام الذي يبدو أنه لايشجع فعليا وجدّيا على العمل الحزبي أو لأسباب خاصة بالذكريات السيئة للتجربة الحزبية في النصف الأول من القرن الماضي وما عانته الأحزاب والحزبيون من التضييق والمنع والحظر وما ترتب على ذلك من انعكاس سلبي على سبل عيش الحزبيين وأبنائهم في مجالات الوظائف العامة في الدولة وهو مازالت الاحزاب الحالية العقائدية خاصة تشكو منه .

تعاني معظم أحزابنا الأردنية من أمراض عديدة منها التبعية للخارج ومنها الصراعات والأنشقاقات الداخلية اضافة الى البون الشاسع ما بين النظرية التي يتبناها الحزب وما بين الواقع العملي الذي يعمل فيه اذ أن هناك أحزابا تتبنى حرفيا ايديولوجيات طبّقت في أقطار أخرى لها ظروفها ومشاغلها التي تختلف عن ظروف ومشاغل واقعنا. فالأحزاب العقائدية القومية منها والدينية واليسارية كانت ولازالت أحزابا عابرة للحدود ولها ارتباطات عضوية بالأحزاب الأم وبالدول التي حكمت أو ما زالت تحكم باسم تلك الأحزاب , فالمرجعية الأساسية لهذه الأحزاب غالبا ما تكون خارج الحدود وتتحكم بمواقفها وبتوجهاتها اتجاه معظم القضايا المحلية وغيرها حتى لوكان ذلك يتناقض مع مصالح القطر الذي تتواجد فيه وهذا في أعتقادي خطأ فادح لأن الموقف الحزبي الصحيح هو الذي ينطلق من الواقع ويأخذ بحقائقه وبمصالح مواطنيه بالدرجة الأساس مع مراعاة الربط ما بين الخاص القطري والعام القومي بحيث يكمل كل منهما الآخر . ان التركيز على ألأمور والقضايا الوطنية يجب ان يكون المحور الرئيسي للنشاطات الحزبية لكن هذا لايلغي أو يمنع من أن يكون هناك علاقة تنسيقية ما بين هذه الأحزاب في القضايا القومية العامة لأننا أمة واحدة ومعظم قضايانا مشتركة لابد من تنسيق المواقف فيها بين الأحزاب العربية بمختلف تشكيلاتها وبخاصة أن جميع هذه الأحزاب على اختلاف منطلقاتها الأيديولوجية تسعى لتحقيق نفس الاهداف كالوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية لأن الحالة القطرية لايمكن أن تساعد هذه الأمة على النهوض وتحقيق مشروعها النهضوي الذي ما فتأت تسعى اليه منذ عقود رغم العوامل الخارجية المعيقة من استعمار وصهيونية والعوامل الداخلية من تجزئة وتخلف وأمية واستبداد كانت وما زالت تقف عائقا أمام ذلك .

ان معظم أحزابنا الوطنية العقائدية منها أو الوطنية مازالت تعاني من أمراض مزمنة تتجسد في الخلافات والصراعات التي تسود داخلها ومعظم هذه الصراعات أو الأنشقاقات لايعود الى الأختلاف على المبادىء أوالمنطلقات النظرية للحزب وأنما معظمها خلافات ظاهرها سياسي ولكن باطنها الحقيقي غير ذلك اذ انتقلت اليها للاسف جميع أمراضنا الاجتماعية المزمنة التي كنا نأمل أن تقضي عليها مثل النزعات الجهوية والقطرية والأقليمية والطائفية والعشائرية لكنها للأسف تزداد تكريسا رغم التنظير اللفظي الذي لايتعدى أثره الحناجر . فالحركة الاسلامية تشظت الى أكثر من خمسة أحزاب والبعثيون الى حزبين والشيوعيون الى أكثر من ثلاثة احزاب وهذه البعثرة شملت أيضا الأحزاب البرامجية فقد أتحدت في الوطني الدستوري ثم التيار الوطني ثم عاودت الأنفصال وتكاثرت لدرجة أصبح عندنا أكثر من خمسين حزبا مرخصا عام 2017م و اربع وعشرون حزبا تحت الترخيص وأعداد أعضاء معظم هذه الأحزاب بضع مئآت ان لم يكن أقل من ذلك فكيف لمثل هذه الأحزاب التي لايعرف المواطن عنها شيئا أن تكون ذات فاعلية في المسيرة السياسية الوطنية ؟

أما ظاهرة الأنفصام ما بين النظرية والتطبيق فحدث ولا حرج فالحزب ينادي بالديمقراطية ولا يمارسها داخله ويدعو للحرية ولكنه في السلطة يمارس ضدها ويدعو للوحدة لكنه يكرّس القطرية ويدافع عن الحدود الوهمية التي رسمتها اتفاقية سايكس بيكو ومستعد أن يشن بسببها حربا على القطر الشقيق اذا ما كان هناك اختلاف أوعدم وضوح في ترسيم تلك الحدود، زد على ذلك تعصب الأحزاب لمواقف الحزب الآم أو الى مواقف حاكم القطر الذي يحكم باسم الحزب حتى لو كان على خطأ أو يلحق الضرر بمصالح القطر الذي ينشط على أرضه الحزب والأمثلة على ذلك كثيرة وكما هو الحال حاليا بالنسبة لسوريا أو كما كان الحال أيام حكم حافظ الآسد والمرحوم صدام حسين حيث كان كل من فرعي الحزب في الأردن يتبنى مواقف الفرع الحاكم في العراق او سوريا وكذلك كان الأمر أيام الصراع ما بين الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي والاحزاب الشيوعية الدائرة في فلكه أيام خروتشوف ومن تلاه والحزب الشيوعي في الصين أيام ماوتسي تونغ ومن جاء بعده .

ولأنه لا ديمقراطية حقيقية بدون أحزاب سياسية فاعلة تتداول السلطة سلميا فيما بينها نتيجة انتخابات ديمقراطية حقيقية تتسم بالشفافية والنزاهة فأن المطلوب أن تستخلص أحزابنا العاملة على الساحة الوطنية العبر والدروس من التجربة الحزبية الأردنية الماضية منطلقة من قراءة علمية للواقع المعاش ومشخصة لمشكلاته الحقيقية ومقترحة الحلول العلمية الواقعية لمشكلاته متخلية عن النظريات والأحلام الطوباوية لأن النظرية السياسية والاقتصادية الاجتماعية اذا لم تكن منبثقة من الواقع وانشغالاته تبقى معلقة في الهواء وجهدا عبثيا لاطائل من ورائه وهذا لن يتحقق مادامت الحالة الحزبية الراهنة تتسم بالتشرذم والتعدد غير المبرر مما يفقدها الفاعلية في الوصول الى المجلس التشريعي ومن ثم الى استلام السلطة التنفيذية أو المشاركة فيها وصولا لتطبيق برامجها التي تأمل من ورائها تحقيق التقدم والرفاه لناخبيها ..فهل تقدم هذه الاحزاب على تقليص أعدادها والأندماج ما الايديولوجية بين المتشابهة منها على شكل عمل جبهوي تضم الأحزاب المتشابهة في مرجعياتها وتركز على القواسم المشتركة فيما بينها فيكون هناك جبهة القوى الاسلامية وجبهة القوى القومية وجبهة القوى اليسارية وجبهة القوى الوطنية وبذلك نتخل من هذه التعددية غير المنطقية لاحزاب أشبه ما تكون ــ على حد تعبير المرحوم وصفي التل ــ الى دكاكين سياسية منها الى أحزاب سياسية حقيقية؟!

مدار الساعة ـ