انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

الطورة يكتب: المتطلبات الاساسية للاصلاح السياسي

مدار الساعة,مقالات,الانتخابات النيابية,القوات المسلحة
مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/02 الساعة 10:57
حجم الخط

بقلم: عبد الرحمن خالد الطوره

تتباين اجتهادات وآراء المفكرين والحركات السياسية حول الإصلاح السياسي المطلوب وذلك تبعا لتباين المرجعيات السياسية والفكرية التي ينطلق منها كل فريق. فالحركات الإسلامية ترى أن أي اصلاح سياسي وأجتماعي وثقافي لابد أن ياخذ بعين الاعتبارعقيدة الأمة كمرجعية لأي اصلاح سياسي مرددين شعار "الإسلام هو الحل" والتيارات القومية على أختلاف مشاربها تنطلق من شعار "القومية ووحدة الأمة هو الحل " أما التيارات اليسارية فتنطلق من شعار "الاشتراكية هي الحل" في حين ترفع التيارات المدنية شعار "مدنية الدولة والديمقراطية هي الحل" أما التيارات الوطنية فتركز على البعد المحلي وشعارها " الأردن اولا " .

ان أي أصلاح سياسي اذا أريد له النجاح لابد له من ان يركز على المشتركات مابين جميع ألوان الطيف السياسي وأن تتوفر له مجموعة من المتطلبات، والتي بدونها ــ فيما أرى ـــ لايمكننا الحديث عن اصلاح سياسي حقيقي وهذه المتطلبات هي :

1ــ لا إصلاح سياسي دون وجود نظام ديمقراطي يحترم الحريات العامة والخاصة، كحرية التعبير بمختلف أشكالها، وحرية التنظيم السياسي، والنقابي، والثقافي، والاجتماعي. زد على ذلك، حرية المواطن وحقه في اختيار ممثليه، ليس في المجلس النيابي فقط، وإنما في كافة مؤسسات العمل العام والخاص، كالنقابات، والأندية الرياضية، والمنتديات الثقافية، والبلديات، والاتحادات العامة للطلبة في المعاهد والجامعات.إن الاصلاح السياسي لن ينجح في دولة، تصادر حق مواطنيها في تقرير مصيرهم، فتصر على التعامل معهم كقاصرين لا يعرفون أين تكمن مصلحتهم ، وتقصيهم عن المشاركة في صنع القرارات التي تتعلق بحياتهم ، وبالتالي تنصّب من نفسها وصيّا يفكر بالنيابة عنهم .

(2) لا أصلاح سياسي ما لم يواكبه اصلاح اقتصادي واجتماعي يحقق العدالة بين المراكز والأطراف، والمدن والأرياف، من حيث التوزيع العادل لمكتسبات التنمية، وللمشاريع الاستثمارية والخدمية، لا أن تستأثر بها منطقة دون أخرى، فتنمو وتتضخم على حساب المناطق الأخرى .فقد أدت مثل هذه السياسات، إلى تمركز السكان والأستثمارات في العاصمة وجوارها مما أدى الى تطور لامتكافىء مابين المركز الأطراف فتضخم المركز وضمرت الأطراف وهذا الواقع لا يتطابق مع خطابنا التنموي الرسمي، الذي يدعي بأنه سيطور الريف ويمدنه، لجعله منطقة جاذبة للسكان. فالذي نراه على أرض الواقع، هو أن الريف يفرغ من سكانه، من خلال الهجرة المستمرة للمدن، بحثا عن فرص العمل، والخدمات المتقدمة.

(3) لا اصلاح سياسي بدون توفر الثقة المتبادلة، بين المواطن والمسؤول لأن ثقة المواطنين بجدية وإخلاص صانعي القرار،شرط أساسي لنجاح أي مشروع وطني تشرف عليه المؤسسات الرسمية ، والا ذهبت كل الجهود المبذولة أدراج الرياح. ولعلي لا آت بجديد إذا ما قلت بان الكثيرين منا ، مازال يتوجس ويرتاب من كل مشروع سياسي، تطرحه السلطة التنفيذية، وتشرف على تنفيذه. وهذا الشعور لم يولد من فراغ ، وإنما هناك تجارب سابقة، ـ والمواطن يقيس عليها ـ، أوضحت له أن كثيرا من هذه المشاريع، لم تكن أكثر من عملية الهاء للناس،أو تغطية على أزمة ـ وحتى تعدي ـ ثم توضع هذه المشاريع على الرف، كما جرى للاتحاد الوطني بعد حوادث أيلول عام 1970، وللميثاق الوطني بعد أحداث 1989 وما تلا ذلك كالأجندة الوطنية وغيرها ولذلك فإن نجاح الأصلاح السياسي يعتمد على اقتناع المواطنين بالفكرة أولا، وثقتهم بالمسؤولين عن تنفيذها ثانيا ، وسيحكمون على أداء أي حكومة من خلال التطبيق وفي أذهانهم نموذجان من المسئوولين السابقين أحدهما ايجابي والآخر سلبي. فالنموذج الأول يمثله المرحوم وصفي التل ، حيث لم يعتمد أسلوب الباطنية السياسية ، كما هو نهج غالبية السياسيين في عالم اليوم. ولذلك ما زال يمثّل في ذاكرة المواطنين، التجسيد الحي للمسؤول النموذج، في الشفافية، وصدق الانتماء، ونظافة اليد، ومطابقة الأفعال للأقوال. فقد مات مديونا، ولم يخلف وراءه لا أرصدة في البنوك ،ولا قصورا أو أطيانا، وكان ذلك سهلا عليه، لو أنه كان على شاكلة كثير من الذين تكرشوا من المال الحرام، حتى عاد الواحد منهم، وكما يقول( ( مظفر النواب)) بلا رقبة.

أما النموذج الآخر، فتمثله إجابات أحد الرؤساء السابقين لدى استضافته، في برنامج حواري لإحدى الفضائيات العربية، حول ما يقال، من أن السبب الرئيس لمديونية الاردن هو الفساد المالي والإداري. قال " لافظ فوه " : إن سبب المديونية، هو الإنفاق على المشاريع التنموية، وتطوير البنية التحتية. أما موضوع الفساد، فهذه ظاهرة عالمية، وموجودة في كل الدول فلا يمكن أن تعزى المديونية للفساد فقط ثم يردف قائلا: ولنفرض أن هناك فسادا واختلاسات، فكم يا ترى حجم ذلك ، قياسا مع حجم المديونية، البالغ عشرات المليارات؟ 10 ،50، 100 ،200 ، 500 مليون ؟ تصوروا أن هذا الرئيس "حفظه الله" يعتبر مبلغ 500 مليون مبلغا بسيطا، مع أن هذا المبلغ، كفيل بحل مشكلة العجز في الموازنة العامة دون أن تضطرالحكومة إلى إرهاق كاهل المواطنين بالضرائب. فهل يمكن لمسؤولين، هذا طراز تفكيرهم ،أن يثق المواطن في ما يطرحونه من مشاريع اصلاح سياسي أو اقتصادي؟

(4) لااصلاح سياسي بدون تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين القائم على الكفاءة والقدرة لأن تطبيق هذا المبدأ يحقق العدالة الأجتماعية بين المواطنين لأنه يتعامل معهم وفق مسطرة واحدة ، من خلال تطبيق حقيقي، لمواد الدستور، التي تنص على المساواة التامة بين المواطنين، في الحقوق والواجبات ، بحيث يوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب،بعيدا عن التحيز أو التمييز بين المواطنين على أساس الدين أو الجنس أو العرق وأنما المعيارهو اعتماد الكفاءة وحسن الأداء. ان نجاح الأصلاح السياسي، يتطلب الحد من التفاوت الطبقي، الذي بدأ يبرز بحدة، حيث بدأت الطبقة الوسطى، والتي هي صمام الأمان الاجتماعي، بالتلاشي، في الوقت الذي بدأت فيه الطبقة الطفيلية ،طبقة الكمبرادور،تعيد صياغة الحياة العامة للمجتمع، وخصوصا الاقتصادية منها ،بشكل يخدم مصالحها الضيقة، وذلك من خلال سن التشريعات العديدة والتي تمكنها من الاستئثار بالثروة والسلطة في آن واحد .لهذا نرى الغنى الفاحش يتجاور في المدن مع الفقر المدقع،ونرى أناسا يلعبون بالنقود، ويبعثرونها في كل اتجاه،ويعيشون حياة تتسم بالرفاهية والبذخ والاستهلاك التفاخري ، في الوقت الذي يتضور فيه الكثيرون جوعا .فهل يمكن تحقيق اصلاح سياسي، في مجتمع ينتشر فيه، الفقر والبطالة وإحساس باختلال ميزان العدل الاجتماعي؟مجتمع يرى مواطنوه أن هناك مؤسسات ،ووزارات، ومواقع ،ومراكز، كانت وما زالت، حكرا على فئات أو عائلات معينة، تتمتع بامتيازات كثيرة، ورواتب خيالية، توفر لها مستوى عاليا من الرفاهية والبذخ والاستهلاك التفاخري وتوفير فرص التعليم العالي لأبنائهم ـــ وطبعا على نفقة الدولة ـــ ليس في الجامعات الأردنية وانما في أرقى الجامعات الأجنبية، مع أن معدلات أكثرهم منخفضة في حين إن أبناء الحراثين، أو الحرافيش كما يسميهم المؤرخ المصري عبدالرحمن الجبرتي، لا يستطيعون الدراسة في جامعاتهم الوطنية، لضيق ذات اليد، مع أن معدلات الكثيرين منهم تتجاوز التسعين؟

(5) لا اصلاح سياسي بدون قانون انتخاب عصري خال من الكوتات والمناطقية والجهوية ويكون الترشح فيه على أساس حزبي سواء على مستوى الوطن كدائرة انتخابية واحدة او على أساس التقسيمات الأدارية الحالية لكن هكذا قانون يتطلب وجود أحزاب سياسية فاعلة ، تؤمن بالتداول السلمي للسلطة ، وتمارس نشاطاتها، وسط مناخات ديمقراطية، تسمح بحرية التنظيم، والتوجيه، وعقد الاجتماعات والندوات العامة، وتنظيم المسيرات الشعبية، للتعبير عن مواقفها تجاه الأحداث الوطنية، والقضايا العربية والعالمية. فالمواطنون ما زالوا هيابين ومترددين، تجاه الانخراط في التنظيمات الحزبية، لأنهم مسكونون بهاجس الخوف، من تأثير ذلك على وظائفهم، وأعمالهم. كما أنهم مسكونون بالخوف، من تكرار تجربة عام 1957، عندما انتكست التجربة الحزبية، فحظرت الأحزاب، واعتقل أعضائها. إن هناك تخوفا لدى الكثيرين، من أن المرحلة الديمقراطية ليست إلا ـ كما يقال ـ (مشمشية)، وستعود بعدها حليمة إلى عادتها القديمة، وما نرجوه، أن لا تكون هذه المخاوف، إلا ظنونا ،وشكوكا في غير محلها .

(6) لا اصلاح سياسي بدون دعم فعلي لمؤسسات المجتمع المدني أحزابا، ونقابات، وأندية، ومنتديات، وجمعيات، واتحادات. ويقصد بالدعم هنا، توفير أجواء ديمقراطية لعملها، وعدم وضع العراقيل أمام نشاطاتها، أو التضييق عليها تحت دعاوى واهية، هي ذرائع أكثر منها أسبابا حقيقية . فلا بد أيضا من الدعم الحكومي المادي لهذه المؤسسات، لتتمكن من توفير مقرات لها، والإنفاق على نشاطاتها المختلفة، وحتى نقطع دابر أسطوانة الدعم والتمويل الخارجي. كما لابد من إعادة النظر في التشريعات الخاصة بهذه المؤسسات، من أجل أن تكون مؤسسات فاعلة ، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، قانون الأحزاب الحالي، الذي ساعد كل من هب ودب، على تأسيس حزب لايتعدى عدد أعضائه العشرات ، فما هو التأثير الذي يمكن لحزب هذا حجمه، أن يتركه في الحياة السياسية العامة ؟ إن هذا القانون قد ساعد على تشرذم الأحزاب، وافقدها فاعليتها ،ولذلك فلا بد من رفع سقف العضوية مثلا إلى 1000 في بداية التأسيس، وان لا يقل العدد بعد مضي ثلاث سنوات على التأسيس عن 2000 أو 3000 عضو، وأن يكون الدعم الحكومي ـــ إذا ما تم ـــ للحزب الذي يزداد عدد أعضائه باستمرار وان يكون له تواجد في كافة المحافظات وأعضاؤه من شرائح المجتمع المختلفة رجالا ونساء وشبابا ومن مختلف المهن ، مع ما يرافق ذلك من تطور وتحسن في فعله وأدائه السياسي ومشاركته في الانتخابات النيابية وحصوله على مقاعد في البرلمان . إن هكذا اجر آت ستساعد على وجود أحزاب فاعلة، و قادرة على تطبيق برامجها من خلال التداول السلمي للسلطة، كما سيؤدي إلى اختفاء الأحزاب الهامشية، أو اندماجها مع أحزاب أخرى، وبذلك يتقلص العدد إلى حد معقول، ونتخلص من الزحام الذي يعيق الحركة.

(7) لا اصلاح سياسي بدون انتماء حقيقي للوطن ومقياس الانتماء الوطني هذا هوكما قال البابا شنودوة بابا الأقباط السابق يكمن في تغيير نظرتنا للوطن ،من وطن نعيش ونسكن فيه، إلى وطن يعيش ويسكن فينا . وهذا لا يتحقق إلا إذا شعر المواطن، بان هذا الوطن يوفر له الكرامة، والحرية، والعيش الكريم. أما الخطب، والوعظ، والإرشاد، فلا تزرع انتماء،ولا تغرس ولاء، والشاهد على ذلك،أن هذا المواطن نفسه، والذي ينعدم عنده حس الانتماء إلى وطنه، تراه على العكس من ذلك، ــــ إذا ما حصل على الجنسية الأجنبية ،ينسلخ تماما عن وطنه الأصلي، وينتمي بصدق وإخلاص لوطنه الجديد، ويدافع عنه بحرارة، حتى لو تطلب منه ذلك الخدمة في القوات المسلحة، ومهاجمة وطنه الأصلي .. والسؤال هو : لماذا يكفر المواطن العربي بوطنه ألام،في حين يدافع بحرارة عن وطنه الجديد؟ الإجابة سهلة وواضحة. فالوطن الجديد، وفر ويوفر له كل متطلبات العيش الكريم، من عمل، وامن، وحرية، واحترام لإنسانيته. وإذا ما تعرض لأي خطر، في أي مكان من الأرض، فان الأساطيل ستتحرك لنجدته. أما في وطنه الأصلي، فالوضع لا يحتاج إلى شرح، أو تعليق .
وفي الختام ؛ فان العصرالذي نعيش فيه هو عصر التحولات الكبرى،ليس في ميدان العلوم والتكنولوجيا فحسب، وإنما في الميادين الإنسانية، الثقافية منها والسياسية والاجتماعية. وهو عصر تشيع فيه ظاهرة الاعتماد والتأثير المتبادل بين دول العالم. ولهذا فلا بد من مواكبة الاتجاهات العالمية في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان، ونبذ التمييز بين الناس على أساس الدين، أو العرق، أو الجنس، وإتاحة الفرصة للمواطنين للمشاركة في صنع مستقبلهم، وبناء مجتمعهم ، من خلال برامج وخطط وطنية، تأخذ بعين الاعتبار خصوصياتهم الحضارية والثقافية . إن رياح التغيير قادمة ، وستطال الجميع دونما استثناء، اذ من الصعوبة بمكان أن ينعزل فرد، أو جماعة ،أو شعب ،عن ما يجري في العالم . كما أن هناك سعيا وتصميما واضحين من قبل بعض الدول الكبرى ، بقصد فرض نماذجها الحضارية والثقافية على بلدان العالم الثالث، بدعوى نشر الديمقراطية فيها، ومحاربة القمع والإرهاب. إن هذا الواقع يفرض على شعوب وحكومات هذه الدول أن تبادر إلى إصلاح أحوالها ذاتيا، وبإرادة وطنية حرة، قبل أن يفرض عليها التغيير من الخارج ، وفق رؤى وأجندات لا تتواءم ومصالحها الوطنية.

مدار الساعة ـ نشر في 2019/03/02 الساعة 10:57