من الغريب العجيب الكم الهائل من المتذمّرين والمتبرّمين الذين تصادفهم خلال اليوم والليلة، يسكن أحدهم في شقة محترمة، ويركب سيارة محترمة، ويعمل في مهنة محترمة، ومتزوج من زوجة محترمة، إلا أنه لا يتكلم إلا بالشكوى والتذمّر طول الوقت وعرضه، وكأنه لا يملك شيئا.
أنا على يقين أن أغلبنا يعيش عيشة أفضل من تلك التي عاشها آباؤنا وأجدادنا، ومع ذلك لم يكونوا يتذمّرون ويشكون كما يفعل طائفة منا، أدركت من يعيش مع أولاده العشرة في غرفتين وحمام، ولا يعرف من اللحم إلا اسمه ورسمه، ولم يجرب طعمه إلا في عيد الأضحى، عندما ضحي جارهم الميسور، ومع ذلك تجد الفرح والسعادة تغمرهم عندما تضع الأم الغلبانة (طنجرة) العدس أمامهم، فيهجموا عليها كالجراد، لتصبح أثرا بعد عين. ثم لا يسير أحدهم نصف ساعة إلى المدرسة أو يزيد، لا يملك إلا حذاء واحدا ورثه عن أخيه الأكبر، الذي ورثه عن أبيه حال الحياة. يتقاسم الأولاد (الفرشات) و(المخدات) والأغطية، والملابس، يعيشون اشتراكية لا يعرفها الفيلسوف ماركس نفسه، ومع ذلك هم سعداء ونجباء. أما الهاتف فإن احتاجوه للضرورة القاهرة فعند الجيران؛ لأنه ربما جاء يوم القيامة قبل أن يصل دورك في الحصول عليه. أما التلفاز فيستيقظ متأخرا وينام مبكرا، حفاظا على الصحة والحمد لله، ومع ذلك الناس سعداء. ليس لديهم تدفئة، فوسيلتهم لبس الثقيل والتستر بالألحفة و(الحرامات) في الشتاء. أما في الصيف فالنوم فوق السطوح أجمل مكيف عرفوه في حياتهم.
أما الآن، فللأولاد غرفة، وللبنات غرفة، وللوالدين غرفة، ويشكون من ضيق المنزل. عندهم سيارة فارهة تنقل الأب والأم إلى أشغالهم، والأولاد إلى مدارسهم، ويشكون فسيارة واحدة لا تكفيهم. التدفئة موجودة في الشتاء والمكيفات في الصيف، والماء والكهرباء، ونعاني من النقرص من كثرة اللحم، حتى يحسب أحدنا نفسه أسدا، أو آكلا للحوم البشر. والملابس كثيرة ويشكون من ضيق الخزائن. والهواتف بكل يد في البيت، والتلفزيون أخذ المنشطات فلا ينام ولا يرتاح، ومع ذلك الشكوى لا تقف، والتذمر في ازدياد. هل هناك من بين علماء الاجتماع من يستطيع أن يجيب عن سؤالي، لماذا تطورنا وتحسنت أوضاعنا، وازدادت شكوانا وتذمراتنا، ولا نجد من يقول: الحمد لله؟
الدستور