كتب الصديقان والزميلان، فهد الخيطان ود. باسم الطويسي مقالين مهمين في الغد خلال الأيام الماضية تعليقاً على موضوع الإصلاح السياسي، وإعادة وضع الملف على الطاولة سواء بتصريحات جلالة الملك أو رئيس الوزراء، وهو ما يُتوقع أن ينعكس من خلال مشروع النهضة الوطنية، الذي سيطلقه رئيس الوزراء بعد افتتاح الدورة العادية وخطاب العرش.
الخيطان تساءل محقّاً عن أي وضعية يمكن أن يأتي بها قانون الانتخاب، وتكون مقبولة لدى الرأي العام، وتؤدي إلى تغييرات نوعية لتقوية المؤسسة التشريعية الرقابية التمثيلية الأساسية في النظام السياسي الأردني؟!
وسؤال الخيطان مرتبط بفرضية أنّنا جرّبنا قوانين الانتخاب المختلفة، من الفردي إلى الأكثرية والنسبية والقوائم المفتوحة والوطنية، والنتيجة تكاد تكون متشابهة، فما هي الوصفة السحرية التي ستقلب هذه المعادلة وتؤدي إلى مخرجات مختلفة؟
أمّا الطويسي فتساءل عن الجديد في أحجيات الإصلاح السياسي الأردني، بعد أن قمنا بتغييرات كبيرة؛ تعديلات دستورية (اقترحتها لجنتا الحوار الوطني واللجنة الملكية لتعديل الدستور)، وتغيير قوانين الانتخاب والأحزاب، وانتخابات بلدية ونيابية ولا مركزية، وهكذا، والنتيجة أنّنا ما نزال ندور في حلقة مفرغة.
يصل الكاتب إلى نتيجة مهمة تتمثل في أنّ الإصلاح السياسي لا يمكن أن يُنجز إلاّ بربطه بسياسات اقتصادية، وبمبدأ سيادة القانون، وبما يطلق عليه "كفاءة مؤسسات الدولة" (وهذا الطرح مشابه تماماً لطرح المفكر السياسي المعروف فرانسيس فوكوياما وقبله صموئيل هانتنجتون)، وهو بالمناسبة ما يؤمن به رئيس الوزراء، ويقوم على أنّ المؤسسات السياسية القوية هي شرط لتحقيق الديمقراطية.
على العموم ما طرحه الزميلان عميق ويستحق التفكير والنقاش، ويمكن أن نستخلص منه، مع بعض الإضافات الذاتية، بخصوص طرح مشروع الإصلاح السياسي، بعض النقاط الرئيسة:
أولاً؛ ليس خطأ استمرار تطوير وتعديل التشريعات الناظمة للعملية السياسية، وصولاً للأفضل، واليوم أصبح ضرورياً استدخال بعض البنود التي تعزز دور الأحزاب والقوى السياسية في النظام الانتخابي، بصورة فاعلة أكبر. ولو فرضنا أنّ القانون المعدل للانتخاب أُقرّ بعد شهور، فستكون هنالك مساحة جيدة من الوقت للأحزاب والشباب والحركات الجديدة المختلفة لترتيب أمورهم والاستعداد للانتخابات القادمة، بعد نهاية مدة المجلس الحالي.
ثانياً؛ الإصلاح السياسي لن يأتي منفرداً أو معزولاً عن سياقات اقتصادية واجتماعية وثقافية، وبالتالي فمن الضروري أن يكون ضمن رؤية تتضمن سيادة القانون والمواطنة والإصلاحات المالية، ومواجهة مشكلات البطالة وزيادة النمو، والإصلاح الثقافي والمجتمعي وإدماج الشباب، بمعنى مشروع إصلاح وطني متكامل.
رابعاً؛ صحيح أنّ هنالك تطويرات وتعديلات عديدة حدثت على التشريعات الناظمة للحياة السياسية، وهنالك أوراق نقاشية ملكية أكدت على هدف الوصول إلى حكومة برلمانية، لكن المشكلة كانت عدم تغلغل هذه القناعة لدى الجميع، وعدم وجود موقف حاسم داخل الدولة بأنّ علينا تجديد وتطوير قواعد اللعبة السياسية، والتوافق على الوصول إلى حكومة برلمانية في المرحلة القادمة، تحقق ما يريده الملك تماماً، أي وضوح قواعد اللعبة السياسية، ليورّث لولي العهد – مستقبلاً- نموذجاً واضحاً دستورياً وواقعياً من الملكية الحديثة الحضارية.
خامساً؛ النهضة المنشودة لا تقوم على كتف الحكومة وحدها؛ فهي عملية متكاملة وطنية مشتركة، من الضروري أن تشترك فيها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، الدولة والمجتمع المدني والأهلي، وجيل الشباب هو العمود الفقري لهذا المشروع.
إذا لم تستطع الحكومة إقناع المواطنين والشارع بأنّ هذا المشروع (النهضة الوطنية) هو القطار الموعود للانتقال للمستقبل، فإنّنا جميعاً سنفشل، وسنبقى برسم الإحباط والتشاؤم، وبعضنا أصبح من ركّاب قطار العدمية، بعد أن فقد الأمل!