في ظل عالم متغير، كل الرواسخ قابلة للصيرورة، فلم يكن الجمود يومًا إلا مانعًا للانسياب والتدفق، وإبراز حالة من الخصام مع منطق الأمور ومنهج سيرها. فمن البديهي أن تتأثر المصالح الوطنية العليا للدول تبعًا لمتغيرات إقليمية ودولية، ويتراوح التأثر تبعًا لدرجة التماسك الداخلي ومدى صلابة التحالفات والأطر التنظيمية التي تنتمي لها، ما يفرض عليها إعادة تشكيل مصالحها من خلال العمل على توسيع المفهوم أو حصره، وخط الحدود: عليا كانت أو دنيا، مضافًا له الاستعداد لواقع جديد أو تجديدي؛ قد يختلف عن الماضي شكلًا ولكنه ينتمي له مضمونًا، ويتدفق في مصبه، ويزيد من صلابته.
من الطبيعي أن يُفهم مُقترح ضم الأردن والمغرب للمجلس من قبل المغفور له خادم الحرمين الشريفين، الملك عبدالله بن عبدالعزيز ضمن سياق الضرورة السياسية والأمنية بما فيها الوضع غير المستقر الذي ساد كثيراً من دول العالم العربي وإيران نتيجة الربيع العربي وما رافقه من إرهاصات أمنية بدرجة أولى، وهو ذات الفهم بأن الظروف السياسيّة، والاقتصادية، والأمنية والعقائدية دفعت دول الخليج لتأسيس المجلس 1981سواءً بسبب متغيرات إقليمية جاءت بالنظام الإيراني الجديد 1979 أو الحرب العراقية الإيرانية 1980، أو تلك الدولية ذات الارتباط بالتنافس الجيواستراتيجي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي ضمن الحرب الباردة كغزو فيتنام وأفغانستان.
في عالم السياسة والتحالفات، لا يمكن التعامل مع مثل هذه الملفات بمفهوم فقدان الصلاحية، بمعنى جمود الفكرة والمقترح لفترة زمنية لا يعني بحال من الأحوال فقدانه الصلاحية والقيمة المُضافة التي يجنيها الجميع، فمثلًا دول عديدة أخذت عضويتها للاتحاد الأوروبي وقتًا طويلًا، فيما لا زالت هناك دول تنتظر الانضمام منذ العام 2009 كألبانيا، وصربيا، والجبل الأسود وغيرها. ويُمكن من خلال ذلك فهم مصلحة دول كُبرى ونووية كفرنسا وبريطانيا في وقت ما في دخول دول صغرى متجاوزةً الاختلافات الجوهرية بين الأمم الأوروبية لغويًا، ودينيًا، وثقافيًا، وتاريخيًا. وهنا تبرز هشاشة ووهن حجة بعض المُعارضين: بأن توسيع دائرة المجلس يُفقده الخصوصية، والتاريخ، والسمات المشتركة؛ هنا نقول إن الهدف الأساسي للمجلس، والذي ورد في النظام الأساسي هو الوصول للوحدة تماشيًا مع ميثاق جامعة الدول العربية. وكيف من الممكن أن تقوم بالنهاية وحدة عربية إذا تمسّك كلٌ بخصوصيته؟
وفيما يتعلق بإثارة ما ينص عليه النظّام الأساسي، أي حصر العضوية بدول الخليج الموقعة على الاتفاق في أبو ظبي، نقول من غير المعقول تقييد الحركة العربية الموجبة بمصطلحات ومواد وردت في زمن توافقت به مع ظروف معينة. فمن السهل توسيع مظلة مجلس التعاون ضمن اشتراطات سياسية واقتصادية وتشريعية كتلك التي يطلبها الاتحاد الأوروبي من الدول الراغبة في الانضمام. كما أنه من السهل أيضًا تعديل المًسمى ليصبح «مجلس التعاون لدول الخليج العربية وجوارها» وبالتأكيد إيران خارج هذا الإطار. لن تكون المادة الخامسة من النظام الأساسي حجرة عثرة أمام تمدد المجلس وحفظ أمن شعوبه، فالمادة 20 هنا مفيدة في تعديل النظام، حيث يحتاج التعديل إلى اطر إجرائية تتضمن تقديم التعديل المقترح من قبل الأمين العام للأعضاء قبل أربعة أشهر من الاجتماع، ويُقبل إذا حصل على الإجماع، هذه عملية إجرائية، لكن الأهم هو وجود إرادة لدى جميع الدول بقبول المقترح، وهنا المقام عن قبول الأردن، وما يرتبط به من تكاتف وتكامل ووحدة مصير.
لا يُمكن القبول أو النظر لمتابعة واهتمام الأردن لهذا المُقترح على أنه شكل من أشكال التسول أو الاستجداء السياسي بقدر ما هو استشراف وقراءة لتعقيدات الشؤون الإقليمية والدولية، وأن المصلحة تكمن في التعاون والوحدة، فالأردن من أكثر الدول العربية دخولًا في المشاريع الوحدوية العربية، ابتداءً من الرغبة في تحقيق مشروع سوريا الكبرى، وتأسيس جامعة الدول العربية 1945، ووحدة الضفتين 1950، والاتحاد العربي الهاشمي مع العراق 1958، ومجلس التعاون العربي مع العراق واليمن ومصر 1989. من الآمن القول بأن الوصول للقناعة الأردنية جاء بناءً على عدم القدرة على التأثير للكيانات العربية المُنفصلة: القُطرية أو الجمعية في المجتمع والنظام الدولي، وبشكل خاص مع ما يجري في فلسطين – غزة حاليًا، حيث استسلم الجميع لإرادة ومقولة ومطالبة «المجتمع الدولي» بالتحرك!
الظروف الآن مناسبة أكثر من أي وقتٍ مضى لإعادة تحريك المياه الراكدة؛ فهنالك درجة كبيرة من الانسجام والاتساق بين السياسة الخارجية لجميع دول الخليج والأردن تجاه العديد من الملفات كالقضية الفلسطينية، وضرورة تغيير الواقع الحالي بشكل يخدم بطريقة أكبر حفظ الحقوق الفلسطينية وإيقاف الحكومة اليمينية المُستعرة بربريتها على قطاع غزة؛ هناك أيضًا توافق على ضرورة سلمية البرنامج النووي الإيراني ضمن إشراف أكبر للوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ ومحاربة آفة المخدرات؛ والسعي لتحقيق الازدهار الاقتصادي للشعوب. سُنة التًغيير الذي حصل على قادة دول الخليج، ووزراء خارجيتها، لا شك مُتغير جديد يُمكن أن يخدم في دفع المُقترح للأمام، في ظل وجود تناغم بين القيادات السياسية لدول الخليج والأردن سواءً من الصف الأول أو الصف الثاني، وهذه الأخيرة فاعلة ومؤثرة من خلال الدبلوماسية في تشكيل صورة حقيقية وإيجابية للأولى بحيث نتجه نحو التعاون والوحدة على أن تكون نواة لوحدة عربية حقيقية كُبرى.
aalhawatmeh@lu.edu.qa