ما جرى في أكثر من مدينة أردنية، ذهبت إليها الوفود الوزارية للحوار حول مشروع قانون ضريبة الدخل، يدق أكثر من جرس إنذار لواقع البلاد، والخطر المحدق بها، من داخلها لا من خارجها، فما جرى في هذه المدن يدل على اهتزاز كبير في منظومة القيم والأسس التي تقوم عليها الدول والمجتمعات، وفي طليعتها قيمة الاحترام الذي هو أساس لكل علاقة سوية بين الأفراد والجماعات بعضهم ببعض،أوبين الأفراد والمؤسسات ببعضها البعض، وفي مقدمتها احترام الأفراد للدولة التي ينتمون إليها، من خلال احترام رموز هذه الدولة، سواء كانوا أشخاص يمثلونها،أو مؤسسات تعمل من خلالها،أو رموز معنوية كالعلم.
لقد غابت قيمة الاحترام عن الكثير من لقاءات الوزراء في مدن أردنية، سواء من خلال الصراخ والضجيج،أو من خلال رفض الاستماع، وقد نسي من مارس ذلك كله،أن السادة الوزراء لم يذهبوا إلى هذه المدن بصفتهم الشخصية التي توجب أن نحترمهم كضيوف،وأن نضاعف احترامهم كممثلين لدولتنا، جاءوا إلينا ليعرضوا علينا وجهة نظر كان بإمكاننا أن نرفضها بطريقة أكثر حضارية عبر الحوار الهادئ، كما حصل في السلط على سبيل المثال فقد قال أبناء السلط كلمتهم الحازمة والرافضة لمشروع القانون من خلال التقيد بأدب الحوار, مستذكرين كيف أذهل الأردنيون العالم في احتجاجاتهم خلال رمضان الماضي، على مشروع قانون ضريبة الدخل الذي قدمته الحكومة السابقة، وتم إسقاطه بطريقة حضارية، مارس فيها الجميع قيمة الاحترام للأفراد والمؤسسات،وهو ما افتقدناه في الكثير من الزيارات الوزارية خلال الأيام القليلة الماضية.
غير قيمة الاحترام التي افتقدناها في الكثير من جوانب حياتنا، وكانت آخر تجليات هذا الفقدان ما جرى في بعض المدن الأردنية أثناء زيارة الوفود الوزارية فإن ما جرى يعبر أيضا عن غياب أدب الحوار وأدواته، فالصراخ والاتهامات والشتائم ليست أسلوب حوار، واتخاذ المواقف دون دراسة أو تمحيص هي ممارسة للاستخفاف في التعاطي مع قضايا الوطن، وهو الاستخفاف الذي مارسه الكثيرون من الذين رفضوا قانون ضريبة الدخل قبل قراءته، قراءة قد تمكنهم من رفضه بالحجة والمنطق، فتكسبهم المزيد من المؤيدين، بدلاً من الصراخ والشتائم التي تثير الاشمئزاز وتفقد الأنصار والمؤيدين،فالصراخ وسيلة من لا يملك حجة، ولا نريد أن نقول أنه وسيلة الغوغاء، شفهي صفة نحب أن لا يتصف بها شعبنا، المعروف برزانته وتمكنه من أدوات الحوار، التي غابت عن قاعات بعض مدننا خلال الأيام القليلة الماضية، مما يجعلنا نقول أن هذا الذي جرى في هذه القاعات لا يمثل أهل هذه المدن، الذين يكرمون الضيف باحترامه أولا، ثم يكرمونه بحسن الاستماع إليه، ومن ثم بحسن الرد بالحجة والمنطق، وقبل ذلك بآداب الضيافة، وهو ما افتقدناه خلال الأيام القليلة الماضية ليحل محله أسلوب لا يعلم الكثيرون من الذين مارسوه أنهم يسيؤون للوطن ولصوره الجميلة،وآخرها" حضارية " اعتصامات رمضان التي استبدلانها بغوغائية مارسها البعض وهو لا يعي أنه يسيء لنفسه ولوطنه، وللحديث بقية.
الرأي