مدار الساعة - كتب: عبدالهادي راجي المجالي - استوقفتني صورة أمس في عزاء الأميرة ماجدة زوجة الأمير رعد..
الأمير حسن والأمير رعد يجلسان على كرسي في الجنازة، والملك يقف بجانبهما.. الملوك عادة يجلسون والحاشية تحيط بهم، لكن في وطننا.. الخلق يطغى على السلطة.. الصورة لم تكن مبرمجة، ولم يحضر لها.. كانت عفوية، عبرت عن نظامنا السياسي.. بأكثر من كل المقالات التي كتبت.
النظام السياسي محصن من الداخل، لأن كل أردني شاهد أمس صورة ملك يقف في حين أن أعمامه الكبار يجلسون، ويتخطى البروتوكول.. ويتخطى الصورة والمراسم ويمسك بيد الأمير زيد ويقوده.. ويشكل من ساعده متكأً له.. النظام السياسي محصن من الداخل، لأن كل أردني شاهد جولات الملك في المحافظات.. لم أدخل بيت أردني إلا وجدت صورة لصاحب الدار مع الملك.. هذا يدل على أن الكل يستطيع الوصول إلى الملك.
النظام السياسي محصن من الداخل، لأنه لم يتورط بالسحل ولا بالسجون ولا بالشمولية ولا بمسألة الحزب الحاكم القائد للمجتمع والدولة، لم يشكل حوله قوى ضغط.. ظل هو الضامن للدستور والحياة، ظل هو رمز الدولة والضامن للسيادة.. والأهم من كل ذلك، أنه ظل الضامن لسلامة المجتمع ووحدته، فهو لم يتحالف مع طبقة على حساب أخرى ولم يهمش جغرافيا على حساب أخرى، ولم يمارس في سلوكه السياسي الاستثناء أو الإقصاء أو التهميش..
النظام السياسي الأردني محصن من الداخل، لأن الجيش الأردني لم يخرج من ثكناته إلى الشوارع، لم يغادر الحدود، لم يتدخل في الحياة السياسية.. لم يمتلك النفوذ أو المال، ولم يتواجد فيه موجها سياسيا.. ولأن النظام ذاته خلق من الجيش قوة وحاميا للسيادة في ذات الوقت خلق منه مؤسسات تعليمية ومؤسسات للرعاية الصحة، وأوجد فيه مؤسسات للمعيشة وتحسين ظروف الناس.. الجيش الأردني هو الوحيد في المنطقة الذي خرجت مدرعاته فقط لإزالة الثلوج، ولكي يشعر الأردني بالاطمئنان في كورونا.. وظل على حدود البلد.
النظام السياسي الأردني محصن من الداخل، لأنه النظام الوحيد في المنطقة العربية.. الذي تستطيع فيه أن تنتقد النهج، وتستطيع أن تكتب عن الحاشية وتستطيع أن تنتقد ولا تسأل.. هو النظام الوحيد الذي يختطف فيه رأس الدولة من الناس حين يزور محافظة.. يختطف بالأحضان والقبل، ولم يسجل في تاريخه أنه اختطف معارضا، أو اختطف مواطنا، أو اختطف لحظة من حياة شعبه.
النظام السياسي محصن من الداخل، لأنه النظام الوحيد في المنطقة.. الذي يسعى لإرضاء الناس ولا يجعل الناس تسعى لرضاه عنوة، ولأنه النظام الواضح في الخطاب.. ولأنه النظام الذي يحتمل كل بوق وكل صوت نشاز، ويحتمل النكران والتجريح أحيانا ويمضي..
النظام السياسي محصن من الداخل، لأنه تجاوز زمن الشعار والخطاب والتثوير.. وقدم الواقعية السياسية، وازن بين علاقات خارجية لها متطلباتها وبين ظرف داخلي له شروطه ومقتضياته.. النظام السياسي محصن، لأنه لا يراقب أفعال الناس ولا يسلط أجهزة الأمن كي تراقب حديثنا، لم يسألنا يوما على باب الطائرة عن وجهتنا، لم يطلب منا طاعة عمياء.. ولم يوظف محطات التلفاز لإنتاج أفلام عنه، ترك الناس تفكر بحرية وتنتقد بحرية وتعارض بحرية.. لكن بحدود مقبولة ومعقولة.
لكل الذين يخافون مما حدث في عالمنا العربي، من ثورات الربيع العربي إلى السقوط المباغت للأنظمة الحالية، نقول لهم إن خوفهم غير مبرر.. لأن الأردن محصن نظاما وشعبا وجغرافيا، وهذه الحصانة ليست عبثية.. بل جاءت من سلوك سياسي متسامح، ومن أخلاق شعب لم يحكم إلا من ممالك.. الجغرافيا الأردنية لم يمر عليها سفاح أو مستبد أو ظالم، بل ظلت حانية على ساكنيها وحانية على حكامها.. وتحتضن الغريب واللاجيء والصديق، ولم تبخل بقمحها أو عدسها أو بالماء في جوفها..
هذا المقال ليس وظيفة أقوم بتأديتها، بل هو واجب أخلاقي واجتماعي وقومي تجاه الدولة ونظامها.. وكم أتمنى من الإعلام الرسمي أن يتحالف مع الوعي في تقديم صورتنا للخارج، وأن لا ينظر إلى مجاميع المتقاعدين الذين يزورون (مايكريفوناته) فقط لأجل العودة للسلطة.
حمى الله الملك، حمى الله الملك.