انتخابات نواب الأردن 2024 اقتصاديات أخبار الأردن جامعات دوليات برلمانيات وفيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات مقالات مختارة مناسبات شهادة جاهات واعراس الموقف مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة

حلب يا حبيبتي

مدار الساعة,مقالات مختارة
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/06 الساعة 00:18
حجم الخط

بعد أن أنهيت الثانوية العامة توجهت إلى مدينة حلب طلبا للعلم الشرعي على يد علمائها. تقع حلب شمال غرب سوريا، على بعد (310كم) من العاصمة دمشق، وعندما تتكلم عن حلب لا تعرف من أين تبدأ، وكيف تنتهي، فحلب تاريخ عريق، وجغرافيا غنية، وتركيب سكاني فريد من نوعه.

أدرجتْ منظمة اليونسكو مدينة (حلب القديمة) على لائحة مواقع التراث العالمي عام 1986م، وفي مركزها نرى قلعة حلب الشماء التي تتربع على تلة عالية، تشعرك بالعراقة، وتزودك بالأمان والثقة بالنفس، تعود القلعة إلى العصور الوسطى، وأغلب بنائها الموجود حاليا يعود للفترة الأيوبية.

سكنتُ بالقرب من جامع العادلية، وسمي بالعادلية؛ لأنه مبني بجوار دار العادلية، وقيل: إنه مسمى على اسم عائلة العادلية الحلبية. وهو جامع تاريخي قديم بني 963هـ، أي قبل 476 سنة، يقع هذا الجامع جنوب غرب قلعة حلب.

غزا الأمير سيف الدولة الحمداني (ت:356هـ ) مدينة حلب عام 944 م، وأسس إمارة حلب التي تضم معظم المنطقة الشمالية من سوريا، وقد استقطب العلماء والشعراء والأدباء والمفكرين، وكان من أبرز هؤلاء أبو الطيب المتنبي (ت:354هـ) الذي خلّد ذكر سيف الدولة بقصائده، ومنها:

لكل امرىءٍ مِنْ دَهْرِهِ ما تَعَوّدَا وعادَةُ سيفِ الدّوْلةِ الطعنُ في العدى

هُوَ البَحْرُ غُصْ فيهِ إذا كانَ ساكناً على الدُّرّ وَاحذَرْهُ إذا كان مُزْبِدَا

فإنّي رَأيتُ البحرَ يَعثُرُ بالفتى وَهذا الذي يأتي الفتى مُتَعَمِّدَا

تَظَلّ مُلُوكُ الأرْض خاشعَةً لَهُ تُفارِقُهُ هَلْكَى وَتَلقاهُ سُجّدَا

وَصُولٌ إلى المُسْتَصْعَباتِ بخَيْلِهِ فلَوْ كانَ قَرْنُ الشّمسِ ماءً لأوْرَدَا

وهي قصيدة طويلة لا تخلو من مبالغات أبي الطيب وحِكَمه، ومعلوم أنّ سيف الدولة كان (شيعيَّ المذهب) ولم يكن لهذه المعلومة أثر في احترام سيف الدولة والثناء على جهوده في مقارعة البيزنطيين.

يتنوع سكان حلب بين العرب الأكراد والأرمن والشركس والتركمان وغيرهم، يعيشون في وئام وسلام. أما من الناحية الدينية فمعظم سكان حلب هم من المسلمين السنة العرب، أما سكان حلب من أبناء الديانة المسيحية فيشكلون التجمع الثاني من حيث الحجم بعد مدينة بيروت في المنطقة.

وتحتضن حلب بين جنباتها الكثير من المساجد الأثرية والجميلة التي تحكي تاريخ المدينة، كما تحتضن حوالي 45 كنيسة أو مبنى كنسي تنتمي للطوائف المسيحية المختلفة: السريان واللاتين والمارونيين والكاثوليك والأرثودوكس والكلدانيين.

ولا نقدر أن نتجاوز (القدود الحلبية) التي تسمعها في المناسبات المختلفة، والقدود: منظومات غنائية أنشئت على أعاريض وألحان دينية أو مدنية، أي أنها بُنيت على قد ، أي على قدر أغنية شائعة، إذ تستفيد من شيوعها لتحقق حضورها، ومن هنا جاء اسم القدّ، ومن أشهر هذه القدود: يا مال الشام، وتحت هودجها، وقدك الميّاس، وغيرها.

وإذا أردنا الحديث عن العلماء والأدباء الذي أنجبتهم حلب فلن تتسع لذلك المجلدات الكثيرة، فأعدادهم كبيرة جدا، لكنني أحبّ أن أذكر من هؤلاء النجباء: الإمام محمد أبو الهدى الصيادي (1328هـ)، شيخ الإسلام زمن السلطان عبد الحميد الثاني، ونقيب الأشراف، عالم في الدين، أديب، وشاعر، وصاحب التصانيف الرائعة، وهو والد (حسن خالد أبو الهدى) رئيس الوزراء بفترة إمارة شرق الأردن، وجَدّ نقيب أشراف حلب، السيد (تاج الدين) ابن السيد (حسن خالد أبو الهدى).

وأختم بذكر شيخي العلامة الأستاذ الدكتور نور الدين محمد عتر الحلبي، المُحدّث، والمفسِّر، والفقيه، الذي زادت مؤلفاته على الخمسين كتابا، يعرفها طلاب العلم الشرعي، ويُدرّس بعضها في كليات الشريعة، وهو مثال في التواضع والأدب، فله مني كل الاحترام والتقدير.

الدستور

مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/06 الساعة 00:18